براريها وبحارها ، وما
فوقها من السماء بأرجائها البعيدة ، والنجوم والكواكب بأبعادها الشاسعة ، وحصول
هذه المقادير العظيمة في الذهن ، بمعنى انطباعها في جزء عصبي أو قوة دماغية كما
قالوا به ، من انطباع الكبير في الصغير وهو محال ، ودفع الإشكال بأن المنطبع فيه ،
منقسم إلى غير النهاية لا يجدي شيئا ، فإن الكف لا تسع الجبل ، وإن كانت منقسمة
إلى غير النهاية.
والجواب عنه أن الحق كما سيأتي ، أن الصور الإدراكية الجزئية غير
مادية ، بل مجردة تجردا مثاليا ، فيها آثار المادة من مقدار وشكل وغيرهما ، دون
نفس المادة ، فهي حاصلة للنفس في مرتبة تجرده المثالي ، من غير أن تنطبع في جزء
بدني أو قوة متعلقة بجزء بدني.
وأما الأفعال والانفعالات الحاصلة في
مرحلة المادة ، عند الإحساس بشيء أو عند تخيله ، فإنما هي معدات تتهيأ بها النفس ،
لحصول الصور العلمية الجزئية المثالية عندها.
الإشكال السادس أن علماء الطبيعة بينوا
، أن الإحساس والتخيل بحصول صور الأجسام المادية ، بما لها من النسب والخصوصيات
الخارجية ، في الأعضاء الحاسة وانتقالها إلى الدماغ ، مع ما لها من التصرف فيها
بحسب طبائعها الخاصة ، والإنسان ينتقل إلى خصوصية ، مقاديرها وأبعادها وأشكالها
بنوع من المقايسة ، بين أجزاء الصورة الحاصلة عنده ، على ما فصلوه في محله ، ومع
ذلك لا مجال للقول ، بحضور الماهيات الخارجية بأنفسها في الأذهان.
والجواب عنه ، أن ما ذكروه من الفعل والانفعال
المادي ، عند حصول العلم بالجزئيات في محله ، لكن هذه الصور المنطبعة ، المغايرة
للمعلومات الخارجية ، ليست هي المعلومة بالذات ، بل هي معدات تهيىء النفس ، لحضور
الماهيات الخارجية عندها ، بوجود مثالي غير مادي ، وإلا لزمت السفسطة لمكان
__________________