وخامسا أن الزمان لا أول له ولا آخر له ، بمعنى الجزء الذي لا ينقسم من مبتدئه أو منتهاه ، لأن قبول القسمة ذاتي له.
الفصل الرابع عشر
في السرعة والبطؤ
إذا فرضنا حركتين واعتبرنا النسبة بينهما ، فإن تساوتا زمانا ، فأكثرهما قطعا للمسافة أسرعهما ، وإن تساوتا مسافة فأقلهما زمانا أسرعهما ، فالسرعة قطع مسافة كثيرة في زمان قليل ، والبطؤ خلافه.
قالوا إن البطؤ ليس بتخلل السكون ، بأن تكون الحركة ، كلما كان تخلل السكون فيها أكثر كانت أبطأ ، وكلما كان أقل كانت أسرع ، وذلك لاتصال الحركة بامتزاج القوة والفعل فيها ، فلا سبيل إلى تخلل السكون فيها.
وقالوا إن السرعة والبطؤ ، متقابلان تقابل التضاد ، وذلك لأنهما وجوديان ، فليس تقابلهما تقابل التناقض ، أو العدم والملكة وليسا بالمتضائفين ، وإلا كانا كلما ثبت أحدهما ، ثبت الآخر وليس كذلك ، فلم يبق إلا أن يكونا متضادين ، وهو المطلوب.
وفيه أن من شرط المتضادين ، أن يكون بينهما غاية الخلاف ، وليست بمتحققة بين السرعة والبطؤ ، إذ ما من سريع ، إلا ويمكن أن يفرض ما هو أسرع منه ، وكذا ما من بطيء ، إلا ويمكن أن يفرض ما هو أبطأ منه.
والحق أن السرعة والبطؤ وصفان إضافيان ، فسرعة حركة بالنسبة إلى أخرى ، بطؤ بعينها بالنسبة إلى ثالثة ، وكذلك الأمر في البطؤ ، والسرعة بمعنى الجريان والسيلان خاصة لمطلق الحركة ، ثم تشتد وتضعف ، فيحدث بإضافة بعضها إلى بعض السرعة والبطؤ الإضافيان.