الحاجة بالمضايقة (١) بأن تصنع له شيئا ليصنع لك شيئا آخر. قال ابن الأثير : وشريعة ما يأخذه الآخذ ظلما بجهة يدفعه الدافع إليه من هذه الجهة وتمامه في صلح الكرماني (٢) ، فالمرتشي الآخذ والراشي الدافع كذا في جامع الرموز في كتاب القضاء. وفي البرجندي الرشوة مال يعطيه بشرط أن يعينه والذي يعطيه بلا شرط فهو هدية كذا في فتاوى قاضي خان. وفي البحر الرائق في القاموس : الرشوة مثلثة الجعل وأرشاه أعطاه إياها ، وارتشى أخذها ، واسترشى طلبها انتهى. وفي المصباح (٣) الرّشوة بالكسر ما يعطيه رجل شخصا حاكما أو غيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد والضم لغة.
وفي الخانية : الرّشوة على وجوه أربعة ؛ منها ما هو حرام من الجانبين وذلك في موضعين ، أحدهما إذا تقلّد القضاء بالرّشوة لا يصير قاضيا ، وهي حرام على القاضي والآخذ. والثاني إذا دفع الرّشوة إلى القاضي ليقضي له حرام على الجانبين ، سواء كان القضاء بحقّ أو بغير حقّ. ومنها إذا دفع الرشوة خوفا على نفسه أو ماله ، فهذه حرام على الآخذ غير حرام على الدافع ، وكذا إذا طمع ظالم في ماله فرشاه ببعض المال. ومنها إذا دفع الرّشوة ليسوّى أمره عند السلطان حلّ للدافع ولا يحلّ للآخذ ، وهذا إذا أعطى الرّشوة بشرط أن يسوّى أمره عند السلطان ، وإن طلب منه أن يسوّي أمره ولم يذكر له الرّشوة ولم يشترط أصلا ثم أعطاه بعد ما سوي أمره اختلفوا فيه. قال بعضهم لا يحلّ له. وقال بعضهم يحلّ وهو الصحيح ، لأنّه من المجازاة الإحسان بالإحسان فيحل ، ولم أر قسما يحلّ الأخذ فيه دون الدفع. وأمّا الحلال من الجانبين فإنّ هذا للتّودد والمحبة وليس هو من الرشوة.
وفي القنية (٤) الظلمة تمنع الناس من الاحتطاب في المروج إلاّ بدفع شيء إليهم ، فالدفع والأخذ حرام لأنّه رشوة إلاّ عند الحاجة فيحلّ للدافع دون الآخذ. وحدّ الرّشوة بذل المال فيما هو [غير] (٥) مستحقّ على الشخص ، ومال الرّشوة لا يملك ، والتوبة من الرشوة برد المال إلى صاحبه ، وإن قضى حاجته. ومن الرّشوة المحرّمة على الآخذ دون الدافع ما يدفع شخص إلى شاعر خوفا من الهجاء والذمّ. وقالوا بذل المال لاستخلاص حقّ له على آخر رشوة. ومنها إذا كان وليّ امرأة لا يزوجها إلاّ أن يدفع إليه كذا فدفع له فزوّجه إياها ، فللزوج أن يستردّه منه قائما أو هالكا لأنّه رشوة. وعلى قياس هذا يرجع بالهدية أيضا في المسألة المتقدّمة إذا علم من حاله أنّه لا يزوجه إلاّ بالهدية ، وإلاّ لا ، انتهى من البحر. وفي فتاوى ابراهيم شاهي وعن ثوبان (٦) رضياللهعنه :
__________________
(١) بالمصانعة (م).
(٢) الأرجح انه شرح الكرماني لأن للكرماني شروح وليس صلح. أما شروحه فهي شرح الفوائد الغياثية في المعاني والبيان لمحمد بن يوسف بن علي بن سعيد شمس الدين الكرماني البغدادي (٧١٧ هـ ٧٨٦ هـ) والفوائد لعضد الدين الإيجي وشرح الكرماني على المواقف للآمدي. مفتاح السعادة ١ / ٢١٣ ـ و ٢ / ١٨١.
(٣) ورد سابقا.
(٤) قنية المنية على مذهب أبي حنيفة : للشيخ الإمام أبي الرجاء نجم الدين مختار بن محمود الزاهدي الحنفي (ـ ٦٥٨ هـ). كشف الظنون ، ٢ / ١٣٥٧.
(٥) [غير] (+ م).
(٦) هو ثوبان بن يجدد ، أبو عبد الله ، مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. توفي بحمص عام ٥٤ هـ / ٦٧٤ م. اشتراه النبي ثم أعتقه. وأصله من السراة بين مكة واليمن. خدم الرسول إلى أن مات ، فذهب إلى فلسطين ثم حمص. روى أحاديث كثيرة عن الرسول صلىاللهعليهوسلم. الأعلام ٢ / ١٠٢ ، الاستيعاب ١ / ٢٠٩ ، حلية الأولياء ١ / ١٨٠ ، الإصابة ١ / ٢١٢.