ماهية مسمّاه ومفهومه ، فلا يلزم التواطؤ لاعتباره في الأفراد ولا الاشتراك لعدم اعتباره في ماهية المسمّى. والحاصل أنّ التفاوت ليس في الماهية ولا في العوارض ، بل في اتصاف الأفراد بها أي بتلك الماهية ، فلا تشكيك في الجسم ولا في السّواد ، بل في أسود. ومعنى كون أحد الفردين أشد أنه بحيث ينتزع العقل بمعونة الوهم أمثال الأضعف ويحلّله إليها ، حتى إنّ الأوهام العامية تذهب إلى أنه متألّف منها. وبيان أنّ المراد (١) بما صدق عليه هل هو الحصص التي هي أفراد اعتبارية له أو الأفراد الحقيقية ، وأنّ مسمّى المشكك هل يجوز أن يكون ذاتيا لماهية الأفراد الحقيقية أولا ، وأنّ وجوه التفاوت داخلة في ماهية الأفراد أو الحصص أو في هوية أحدهما ، وأنّ التشكيك ينحصر بالاستقراء في ثلاثة أقسام مما يحتاج إلى الاطناب وتعمّق الأنظار. هكذا يستفاد من العضدي وحاشيته للسيّد السّند وشرح المطالع وغيرها.
اعلم أنه لا تشكيك في الماهيات بأن تكون الماهية من حيث هي هي متفاوتة بالنسبة إلى الأفراد لأنّ أفراد الماهية كلّها سواء بالنسبة إلى تلك الماهية كالإنسان بالنسبة إلى زيد وعمرو وبكر فإنّ كلها سواء بالنسبة إلى الإنسانية لا تفاوت فيها بنحو من الأنحاء الأربعة المذكورة ، وإن كانت متفاوتة باعتبار الأوصاف المختلفة والمتباينة فإنّ التفاوت بالنسبة إلى ما وراء الأنواع الأربعة المذكورة من الأوصاف والعوارض لا اعتبار له في أمر التشكيك. فالتفاوت المعتبر في التشكيك منحصر في أمور أربعة وكلّها منتف في الماهيات. أمّا انتفاء الأولين فللزوم المجعولية الذاتية ، فلأن صدق الماهية إذا كان على بعض الأفراد علّة لبعض آخر فثبوت الماهية لهذا الآخر يكون بالعلّة مع أنها ذاتية له ، وهذا هو المجعولية الذاتية ، وكذا إذا كان صدقها في البعض أولى من غير افتقار إلى أمر خارج ، وفي الآخر يفتقر إلى الخارج ، فصارت في ثبوتها لما هي ذاتية محتاجة إلى شيء آخر ، وهذا عين معنى المجعولية الذاتية. وأمّا انتفاء الأخيرين فلأنّ الأشدّ والأزيد إمّا أن يشتملا على شيء لا يكون في الأضعف والأنقص أو لا ، فعلى الثاني لا يكون الفرق بينهما ، فما وجه كون أحدهما أشد وأزيد والآخر أضعف وأنقص ، وعلى الأول لا يخلو إمّا أن يكون الشيء الذي يشتمل عليه الأشد والأزيد معتبرا في ماهيتهما أو لا ، فعلى الأول تكون ماهيتهما مشتملة على شيء ليس في ماهيتي الأضعف والأنقص فلا تكون ماهيتهما من ماهية الأشد والأزيد لانتفاء الكل بانتفاء الجزء ، فصارا مختلفي الماهية ، فلم تصر ماهية واحدة متفاوتة في الصدق ، فلم يوجد التشكيك فيها. وعلى الثاني يكون التشكيك في الأمر الخارج من (٢) الماهية لا في الماهية.
وأقول أيضا لا تشكيك في العوارض فإنّ العارض هو المبدأ القائم بالشيء كالسواد مثلا لا تشكيك فيه لأنه إن كان مقولا بالتشكيك فإمّا أن يكون تشكيكه بالنظر إلى حصصها التي هي هذا العارض ذاتي لها كالسّوادات الخاصّة في المحال المختلفة فذلك باطل لما مرّ في بطلان تشكيك الماهية ، وإمّا بالنظر إلى معروضه الذي هو الجسم الأسود ، فالسّواد غير محمول عليه لأنّ المعنى المصدري لا يحمل بحمل المواطأة على المعروضات والكلّي المشكك محمول على أفراده بالمواطأة فلا يكون التشكيك إلا في العرضي أي الكلي الخارج المحمول كالأسود
__________________
(١) المقصود (م ، ع).
(٢) عن (م).