الإسناد. وقد يقع التسلسل في معظم الإسناد أي أكثره. فمثال التسلسل القولي قول الراوي سمعت فلانا قال سمعت فلانا إلخ ، أو حدثنا فلان قال حدثنا فلان إلخ. ومثال الفعلي قوله دخلنا على فلان فأطعمنا تمرا قال دخلنا على فلان فأطعمنا تمرا إلخ. ومثال القولي والفعلي معا قوله حدثني فلان وهو آخذ بلحيته قال آمنت بالقدر خيره وشرّه وحلوه ومرّه قال : حدثني فلان وهو آخذ بلحيته قال آمنت بالقدر خيره وشرّه وحلوه ومرّه إلخ ، هكذا في شرح النخبة وشرحه. وفي خلاصة الخلاصة المسلسل هو ما تتابع فيه رجال الإسناد عند رواية على صفة واحدة. وتلك الصفة إمّا في الرواة وهو على ضربين : قولي كقولهم سمعت فلانا أو أخبرنا فلان إلخ ، وهو قسمان : الأول ما اتصل بالرسول صلىاللهعليهوسلم ومنه مسلسل إني أحبك في حديث «اللهم أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» (١). والثاني ما انقطع في آخره. وفعلي كحديث التشبيك باليد والعدّ بها والمصافحة وأشباهها. وإمّا في الرواية كالمسلسل باتفاق أسماء الرواة وأسماء آبائهم أو كناهم أو أنسابهم كسلسلة الأحمديين أو بلدانهم كسلسلة الدمشقيين المروية عن النووي ، أو صفاتهم كالفقهاء في المتبايعان بالخيار. وأفضله ما دلّ على اتّصال السّماع ومن فضله زيادة الضبط انتهى. وعند الحكماء عبارة عن ترتّب أمور غير متناهية مجتمعة في الوجود والترتيب سواء كان الترتّب وضعيا أو عقليا ، صرّح بذلك المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح الشمسية في برهان امتناع كون كلّ من التصوّر والتصديق بجميع أفراده نظريا ، وهذا تعريف للتسلسل المستحيل عند الحكماء.
وأمّا التسلسل مطلقا فهو ترتّب أمور غير متناهية عند الحكماء وكذا عند المتكلمين. وأمّا التّسلسل المستحيل عندهم فترتب أمور غير متناهية مجتمعة في الوجود. وبالجملة فاستحالة التّسلسل عند الحكماء مشروطة بشرطين اجتماع الأمور الغير المتناهية في الوجود والترتيب بينها إمّا وضعا أو طبعا. وعند المتكلمين ليست مشروطة بشرطين مذكورين ، بل كلّ ما ضبطه الوجود يستحيل فيه التسلسل. ويؤيّده ما وقع في شرح حكمة العين أقسام التسلسل أربعة ، لأنه إمّا أن لا تكون أجزاء السلسلة مجتمعة في الوجود أو تكون ، والأوّل هو التسلسل في الحوادث ، والثاني إمّا أن يكون بين تلك الأجزاء ترتّب طبيعي وهو كالتسلسل في العلل والمعلولات ونحوها من الصفات والموصوفات المترتبة الموجودة معا ، أو وضعي وهو التسلسل في الأجسام ، أو لم يكن بينها ترتّب (٢) وهو التسلسل في النفوس البشرية. والأقسام بأسرها باطلة عند المتكلّمين دون الأول ، والرابع عند الحكماء انتهى.
وتلخيص ما قال الحكماء هو أنّه إذا كانت الآحاد موجودة معا بالفعل وكان بينها ترتّب أيضا ، فإذا جعل الأول من إحدى الجملتين بإزاء الأول من الجملة الأخرى كان الثاني بإزاء الثاني قطعا ، وهكذا فيتم التطبيق المستلزم للمحال بلا شبهة. وتقريره أن يقال لو تسلسلت الأمور المترتّبة الموجودة معا لأمكن
__________________
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ، ٧ / ١٣٤ ، عن همام بن عروة عن أبيه ، كتاب الدعاء (٢٥) ، باب ما أمر النبي صلىاللهعليهوسلم عمر بن الخطاب أن يدعو به (١٣٦) ، الحديث رقم (٢) ، وأخرجه أيضا عن محمد بن المنكدر ، ٧ / ٦٣ ، كتاب الدعاء (٢٥) ، باب ما كان يدعو به النبي صلىاللهعليهوسلم (٤٣) ، الحديث رقم (١١) ، بزيادة : «وأعوذ بك أن يبلغني دين أو عدو ، وأعوذ بك من غلبة الرجال».
وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ، ١٠ / ١٧٢ ، عن أبي هريره ، كتاب الأدعية ، باب الاجتهاد في الدعاء.
(٢) وهو التسلسل في الاجسام أو لم يكن بينها ترتب (ـ ع).