في رتبة البلاغة ، وفسّروا الإيجاز بأداء المقصود بأقل من المتعارف ، والإطناب بأدائه بأكثر منه.
وابن الأثير (١) وجماعة على الثاني فقالوا : الإيجاز التعبير عن المراد بلفظ غير زائد والإطناب بلفظ ازيد.
وقال القزويني الأقرب أن يقال إن المقبول من طرق التعبير عن المراد تأدية أصله إمّا بلفظ مساو لأصل المراد ، أو ناقص عنه واف ، أو زائد عليه لفائدة ، والأول المساواة ، والثاني الإيجاز ، والثالث الإطناب. واحترز بقوله واف عن الإخلال ، وبقوله لفائدة عن الحشو والتطويل فعنده تثبت المساواة واسطة وأنها من قسم المقبول ، كذا في الإتقان. لكن قال الچلپي في حاشية المطول إنّ الإطناب في اصطلاح السكّاكي يعم المساواة فتعريفه بأداء المقصود بأكثر منه لا يلائم مذهبه انتهى. قال صاحب الأطول : أمّا أنّ هذا التعميم المذكور اصطلاح السكّاكي فغير ثابت انتهى ؛ فقول صاحب الإتقان أولى. ثم قال صاحب الأطول : المساواة عند السكّاكي هي متعارف الأوساط الذين يكتفون بأداء أصل المعنى على ما ينبغي ، أي كلامهم في مجرى عرفهم في تأدية المعاني وربما يشتمل متعارفهم على الحذف ومع ذلك لا يسمّى اختصارا وإيجازا لأنه متعارفهم فإن عرفهم في طلب الإقبال يا زيد وهو مشتمل على الحذف وفي التحذير إياك والأسد وامرأ ونفسه وحمدا وسقيا ، وهي لا تحمد في باب البلاغة من الأوساط ولا تحمد أيضا من البليغ معهم ، لأنه لا يقصد معهم بكلامه مزية سوى التجريد عن المزايا ، وبذلك يرتقي عن أصوات الحيوانات ، ولا تذم أيضا لا منهم ولا من البليغ. وأمّا التكلّم بمتعارفهم إذا عرى عن المزية فلا يحمد من البليغ معهم ويذم منه مع البليغ ، وإذا اشتمل على المزايا التي هم غافلون عنها كما في إيّاك والأسد فمعهم لا يحمد من البليغ ولا يذمّ ومع البليغ يحمد لأن البليغ قصد به مزايا تتعلّق بالإيجازات التي فيها ، فالإيجاز عنده أداء المقصود بأقل من المتعارف ، والإطناب أداؤه بأكثر منه ، لكن يرد على السكّاكي أمران : أحدهما أنهم جعلوا نحو : نعم الرجل زيد من الإطناب ولا عبارة للأوساط غيره. وثانيهما أنه لم يحفظ تعريف الإيجاز عن دخول الإخلال وتعريف الإطناب عن دخول الحشو والتطويل ، ولذا عدل عنه القزويني وقال الأقرب الخ.
وفيما ذكر القزويني أيضا أنظار : الأول أنه إن أراد بالمقبول المقبول مطلقا سواء كان من البليغ أو من الأوساط فالزائد والناقص غير مقبولين من الأوساط لأنهما خروج عن طريقهم لا لداع ، وإن أراد المقبول من البليغ فليس المساوي والناقص الوافيان مقبولين مطلقا ، بل إذا كانا لداع. والثاني إنّ قولنا جاءني إنسان وقولنا جاءني حيوان ناطق كلاهما مساو بأنه أصل المراد بلفظ مساو فينبغي أن لا يكون أحدهما إطنابا والآخر إيجازا. وبالجملة لا يشتمل تعريف الإيجاز إيجاز القصر. والثالث إن قولنا حمدا لك ونظائره مساواة بتعريف السكّاكي وإيجاز بتعريف القزويني ، فنزاعه مع السكّاكي في نقل اصطلاح القوم في مثله لا يسمع بدون سند قوي. ولو قيل المراد المساوي بحسب الأوساط فتعريفه يؤول إلى ما ذكره السكّاكي.
والرابع الإيجاز والإطناب والمساواة مختصّة
__________________
(١) هو المبارك بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري ، أبو السعادات مجد الدين. ولد بالقرب من الموصل عام ٥٤٤ هـ / ١١٥٠ م وتوفي عام ٦٠٦ هـ / ١٢١٠ م. محدث ، لغوي ، أصولي. له العديد من المؤلفات الهامة.
الأعلام ٥ / ٢٧٢ ، بغية الوعاة ٣٨٥ ، وفيات الأعيان ١ / ٤٤١ ، الكامل ١٢ / ١١٣ ، إرشاد الأريب ٦ / ٢٣٨ ، طبقات الشافعية ٥ / ١٥٣.