على نسبة إلى غيره. ولا شك أنّ تلك النسبة غيره وقد يكون لا هو ولا غيره كالعليم والقدير ممّا يدلّ على صفة حقيقية قائمة بذاته ، فإنّ تلك الصفة لا هو ولا غيره عنده فهكذا الذات المأخوذة معها.
قال الآمدي : اتفق العقلاء على المغايرة بين التسمية والمسمّى ، وذهب أكثر أصحابنا إلى أن التسمية هي نفس الأقوال الدالة ، وإنّ الاسم هو نفس المدلول ، ثم اختلف هؤلاء ، فذهب ابن فورك (١) وغيره إلى أن كل اسم فهو المسمّى بعينه. فقولك : الله دالّ على اسم هو المسمّى ، وكذلك قولك عالم وخالق فإنه يدلّ على ذات الربّ الموصوف بكونه عالما وخالقا. وقال بعضهم من الأسماء ما هو عين كالموجود والذات ومنها ما هو غير كالخالق ، فإنّ المسمّى ذاته ، والاسم هو نفس الخلق وخلقه غير ذاته ، ومنها ما ليس عينا ولا غيرا كالعالم فإن المسمّى ذاته والاسم علمه الذي ليس عين ذاته ولا غيرها. وتوضيح ذلك أنهم لم يريدوا بالتسمية اللفظ وبالاسم مدلوله كما يريدون بالوصف قول الواصف وبالصفة مدلوله ، ثم إنّ ابن فورك ومن يوافقه اعتبروا المدلول المطابقي وأرادوا بالمسمّى ما وضع الاسم بإزائه ، فأطلقوا القول بأن الاسم نفس المسمّى. والبعض أراد بالمسمّى ما يطلق عليه الاسم ، وأخذ المدلول أعمّ من المطابقي واعتبر في أسماء الصفات المعاني المقصودة ، فزعم أنّ مدلول الخالق الخلق وأنه غير ذات الخالق بناء على ما تقرّر من أنّ صفات الأفعال غير الموصوف ، وأن الصفات التي لا عينه ولا غيره هي التي يمتنع انفكاكها عن موصوفها. ثم إنّ الأشعري أراد بالمسمّى ما يطلق عليه الاسم ، أعني الذات ، وأعتبر المدلول المطابقي وحكم بغيرية هذا المدلول أو بكونه لا هو ولا غيره باعتبار المدلول التضمني. وذهب المعتزلة إلى أنّ الاسم هو التسمية ووافقهم على ذلك بعض المتأخرين من أصحابنا. وذهب الأستاذ أبو نصر بن أيوب إلى أنّ لفظ الاسم مشترك بين التسمية والمسمّى ، فيطلق على كل منهما ويفهم المقصود بحسب القرائن. ولا يخفى عليك أن النزاع على قول أبي نصر في لفظ ا س م ، وأنها تطلق على الألفاظ فيكون الاسم عين التسمية بالمعنى المذكور ، أي القول الدال لا بمعنى فعل الواضع وهو وضع الاسم للمعنى ، أو تطلق على مدلولاتها فيكون عين المسمّى ، وكلا الاستعمالين ثابت ، كما في قولك : الأسماء والأفعال والحروف ، وقوله تعالى : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) (٢) أي مسمّاه ، وقول لبيد : (٣) اسم السلام عليكما. وقال الإمام الرازي : المشهور عن أصحابنا أن الاسم هو المسمّى ، وعن المعتزلة أنه التسمية ، وعن الغزالي أنه مغاير لهما لأن النسبة وطرفيها مغايرة قطعا ، والناس قد طوّلوا في هذه المسألة ، وهو عندي فضول لأن الاسم هو اللفظ المخصوص والمسمّى ما وضع ذلك اللفظ بإزائه ، فنقول : الاسم قد يكون غير المسمّى ، فإنّ لفظ الجدار مغاير لحقيقة الجدار وقد يكون عينه ، فإن لفظ الاسم اسم للفظ دال على معنى مجرّد عن
__________________
(١) هو محمد بن الحسن بن فورك الأنصاري الأصبهاني ، أبو بكر. توفي بالقرب من نيسابور عام ٤٠٦ هـ / ١٠١٥ م واعظ ، عالم بالأصول والكلام ، فقيه شافعي. له كتب كثيرة ومتنوعة. الأعلام ٦ / ٨٣ ، طبقات السبكي ٣ / ٥٢ ، تبيين كذب المفتري ٢٣٢ ، النجوم الزاهرة ٤ / ٢٤٠ ، وفيات الأعيان ١ / ٤٨٢ ، اللباب ٢ / ٢٢٦ ، معجم المفسرين ٢ / ٥١٤.
(٢) الرحمن / ٧٨.
(٣) لبيد (الشاعر العامري) هو لبيد بن ربيعة بن مالك ، أبو عقيل العامري. توفي عام ٤١ هـ / ٦٦١ م. أحد فحول الشعر في الجاهلية. أدرك الإسلام وصحب النبي صلىاللهعليهوسلم. له معلّقة مشهورة ، طبع شعره في ديوان. الأعلام ٥ / ٢٤٠ ، خزانة ١ / ٣٣٧ ، مطالع البدور ١ / ٥٢ ، سمط اللآلي ١٣ ، آداب اللغة ١ / ١١١ ، الشعر والشعراء ٢٣١ ، جمهرة أشعار العرب ٣٠.