الأعمال المشروعة ما روي «الإيمان اعتقاد بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان» (١). هذا كله خلاصة ما ذكر ابن الحجر في شرح الأربعين للنووي في شرح الحديث الثاني.
أسلوب الحكيم : [في الانكليزية] The method of the wise (pun) ـ [في الفرنسية] La methode du sage (calembour)
عند أهل المعاني هو تلقّي المخاطب بغير ما يترقّب بحمل كلامه على خلاف مراده تنبيها له على أنه هو الأولى بالقصد ، وهو من خلاف مقتضى الظاهر ، كقول القبعثرى (٢) للحجاج (٣) حين قال الحجاج له مخوّفا إيّاه : لأحملنّك على الأدهم ، يعني به القيد ، مثل الأمير يحمل على الأدهم والاشهب. فأبرز القبعثرى وعيد الحجاج في معرض الوعد وتلقاه بغير ما يترقب بأن حمل لفظ الادهم الذي في كلام الحجاج على الفرس الأدهم ، أي الذي غلب سواده حتى ذهب البياض الذي فيه ، وضم إليه الأشهب أي الذي غلب بياضه حتى ذهب ما فيه من السواد قرينة على تعيين مراد القبعثرى ودفعا لمراد الحجاج ، فإن مراد الحجاج إنما هو القيد ، فنبّه على أنّ الحمل على الفرس الأدهم هو الأولى بأن يقصده الأمير ؛ اي من كان مثل الأمير في السلطنة وبسط اليد فجدير بأن يقصد بأن يعطى المال لا أن يقصد بأن يقيد ويعذب بالنكال. ثم قال الحجاج له ثانيا : أردت به الحديد ، فقال القبعثرى : الحديد خير من البليد ، فحمل الحديد أيضا على خلاف مراد الحجاج أي الجلد الماضي في الأمور.
وأصل القصة أن القبعثرى الشاعر كان جالسا في بستان مع جملة الأدباء ، وكان الزمان زمان الحصرم فجرى ذكر الحجاج في ذلك المجلس فقال القبعثرى تعريضا على الحجاج : اللهم سوّد وجهه واقطع عنقه واسقني من دمه ، فأخبر الحجاج بذلك فأحضر القبعثرى وهدّده ، فقال القبعثرى أردت بذلك الحصرم. فقال له الحجاج لأحملنك إلى آخر القصة. فانظر إلى ذكاوة القبعثرى فقد سخر الحجاج بهذا الأسلوب حتى تجاوز عن جريمته وأحسن إليه وأنعم عليه ، هكذا في المطول وحاشية الجلبي في آخر الباب الثاني.
ولفظ الأسلوب بضم الهمزة وسكون السين بمعني روشن وراه ، ـ المنير والطريق ـ ووجه التسمية ظاهر. وفي اصطلاحات الجرجاني أسلوب الحكيم هو عبارة عن ذكر الأهمّ تعريضا للمتكلم على تركه الأهم كما قال الخضر عليهالسلام حين سلّم عليه موسى عليهالسلام إنكارا لسلامه لأن السلام لم يكن معهودا في تلك الأرض بقوله : إنّى بأرضك السلام. فقال موسى عليهالسلام : في جوابه أنا موسى ، كأنه قال أجبت عن اللائق بك وهو أن تستفهم عني لا عن سلامي بأرضي ، فقول موسى هو أسلوب الحكيم انتهى.
وفي المطول ويلقى السائل بغير ما يترقب (٤) تنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيها على أنّ
__________________
(١) أخرجه الطبراني بلفظ : «الإيمان معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان» ، برواية علي بن أبي طالب. كنز العمال ، ١ / ٢٣.
(٢) هو الغضبان بن القبعثرى الشيباني ، كان حيا في نهاية القرن الأول الهجري. وهو من الذين هجوا الحجاج. أنساب الأشراف / ١١٤ ـ ١٢٤.
(٣) الحجاج : هو الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي ، أبو محمد. ولد بالطائف عام ٤٠ هـ / ٦٦٠ م. وتوفي بواسط عام ٩٥ هـ / ٧١٤ م. قائد ، داهية ، خطيب. ومن ولاة الأمويين الشداد. فتك بالثورات وأحمد الفتن. وهو الذي بني مدينة واسط بين الكوفة والبصرة ، وكتب عنه الكثيرون. الأعلام ٢ / ١٦٨ ، معجم البلدان ٨ / ٣٨٢ ، وفيات الأعيان ١ / ١٢٣ ، تاريخ المسعودي ٢ / ١٠٣ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٢١٠ ، ابن الأثير ٤ / ٢٢٢ ، البدء والتاريخ ٦ / ٢٨.
(٤) يتطلب (ع) يتطلب غيره (م).