إعدادات
موسوعة كشّاف إصطلاحات الفنون والعلوم [ ج ١ ]
موسوعة كشّاف إصطلاحات الفنون والعلوم [ ج ١ ]
تحمیل
المعاني الثلاثة ، وإذا تقرر ذلك فحيث ورد ما يدلّ على تغايرهما كما في قوله تعالى (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (١) الآية ، وكما في بعض الأحاديث ، فهو باعتبار أصل مفهوميهما ، فإنّ الإيمان عبارة عن تصديق قلبي ، والإسلام عبارة عن طاعة وانقياد ظاهر كما صرّح بذلك في شروح صحيح البخاري.
فصحّ ما قاله ابن عباس وغيره في تفسير هذه الآية أنهم لم يكونوا منافقين بل كان إيمانهم ضعيفا ، ويدل عليه قوله تعالى : (وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) (٢) الآية ، الدالّ على أن معهم من الإيمان ما يقبل به أعمالهم ، وحينئذ يؤخذ من الآية أنه يجوز نفي الإيمان عن ناقصه. ومما يصرح به قوله عليه الصلاة والسلام : «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» (٣) وفيه قولان لأهل السنة ، أحدهما هذا ، والثاني لا ينفى عنه اسم الإيمان من أصله ولا يطلق عليه مؤمن لإيهامه كمال إيمانه ، بل يقيّد فيقال : مؤمن ناقص الإيمان ، وهذا بخلاف اسم الإسلام فإنه لا ينتفي بانتفاء ركن من أركانه ولا بانتفاء جميعها ما عدا الشهادتين. وكأنّ الفرق أنّ نفيه يتبادر منه إثبات الكفر مبادرة ظاهرة بخلاف نفي الإيمان. وحيث ورد ما يدلّ على اتحادهما كقوله تعالى (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٤) فهو باعتبار تلازم المفهومين أو ترادفهما. ومن هاهنا قال كثيرون إنهما على وزان الفقير والمسكين ، فإذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر ودلّ بانفراده على ما يدل عليه الآخر بانفراده ، وإن قرن بينهما تغايرا كما في خبر أحمد «الإسلام علانية والإيمان في القلب» (٥) ، وحيث فسّر الإيمان بالأعمال فهو باعتبار إطلاقه على متعلقاته لما تقرر أنه تصديق بأمور مخصوصة ، ومنه : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) (٦) ، واتفقوا على أنّ المراد (٧) به هنا الصلاة ومنه حديث وفد عبد القيس : «هل تدرون ما الإيمان شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا خمسا من المغنم» (٨) ففسّر فيه الإيمان بما فسر في حديث جبرائيل الإسلام ، فاستفيد منهما إطلاق الإيمان والإسلام على الأعمال شرعا باعتبار أنها متعلقة مفهوميهما المتلازمين وهما التصديق والانقياد ، فتأمّل ذلك حق التأمّل لتندفع به عنك الشكوك الواردة هاهنا. وممّا أطلق فيه الإيمان على
__________________
(١) الحجرات / ١٤.
(٢) الحجرات / ١٤.
(٣) أخرجه البخاري في الصحيح ، ٨ / ٢٩٣ ، عن أبي هريرة ، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة ، باب إثم الزناة ، حديث رقم ٩ / ٦٨١٠ ، بلفظ قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا يزني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن ، والتوبة معروضة.
(٤) الذاريات / ٣٥ ـ ٣٦.
(٥) أخرجه أحمد في مسنده ، ٣ / ١٣٤ ، عن أنس ، وتمامه : «والإيمان في القلب ، قال ثم يشير بيده إلى صدره ثلاث مرات ، قال : ثم يقول : التقوى هاهنا ، التقوى هاهنا» ، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ، ١ / ٥٢ ، باب الإسلام والإيمان ، عن أنس ، وقال عقبه : رواه أحمد وأبو يعلي بتمامه ، والبزار باختصار ، ورجاله رجال الصحيح.
(٦) البقرة / ١٤٣.
(٧) المقصود (م ، ع).
(٨) حديث وفد عبد القيس حديث طويل ورد بصيغ متعددة وروايات كثيرة ، وقد أخرجه الشيخان ومن استخرج عليهما والنسائي وابن خزيمة وابن حبان من طريق رواية أبي جمرة. بينما يذكره أحمد بن حنبل في مسنده من طريق رواية أبان العطار عن قتادة. ذكر كل هذه الروايات وعلّق عليها ابن حجر العسقلاني في فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، في كتاب الإيمان ١ / ١٢٩ ـ ١٣٥.