الجرأة وتلك القوة ، لكن لا في تلك الجثة والهيكل المخصوص ، ولفظ الأسد إنما هو موضوع للمتعارف ، فاستعماله في غير المتعارف استعمال في غير ما وضع له ، كذا في المطول.
وقال صاحب الأطول : ويمكن أن يقال : إذا قلت : رأيت أسدا وحكمت برؤية رجل شجاع يمكن فيه طريقان : أحدهما أن يجعل الأسد مستعارا لمفهوم الرجل الشجاع ، والثاني أن يستعمل فيما وضع له الأسد ويجعل مفهوم الأسد آلة لملاحظة الرجل الشجاع ، ويعتبر تجوّزا عقليا في التركيب التقييدي الحاصل من جعل مفهوم الأسد عنوانا للرجل الشجاع ، فيكون التركيب بين الرجل الشجاع ومفهوم الأسد مبنيا على التجوّز العقلي ، فلا يكون هناك مجاز لغوي. ألا ترى أنه لا تجوّز لغة في قولنا : لي نهار صائم فقد حقّ القول بأنه مجاز عقلي ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
فائدة :
الاستعارة تفارق الكذب بوجهين : بالبناء على التأويل ، وبنصب القرينة على إرادة خلاف الظاهر.
التقسيم
للاستعارة تقسيمات باعتبارات : الأول باعتبار الطرفين أي المستعار منه والمستعار له إلى وفاقية وعنادية ، لأن اجتماع الطرفين في شيء إمّا ممكن وتسمّى وفاقية لما بين الطرفين من الموافقة نحو أحييناه في قوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) (١) أي ضالاّ فهديناه ، استعار الإحياء من معناه الحقيقي وهو جعل الشيء حيّا للهداية التي هي الدلالة على طريق يوصل إلى المطلوب ؛ والإحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما في شيء. وإمّا ممتنع وتسمّى عنادية لتعاند الطرفين كاستعارة الميّت في الآية للضالّ إذ لا يجتمع الموت مع الضلال. ومنها أي من العنادية التهكّمية والتمليحية ، وهما الاستعارة التي استعملت في ضدّ معناها الحقيقي أو نقيضه تنزيلا للتضادّ والتناقض منزلة التناسب بواسطة تمليح أو تهكّم نحو : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٢) أي أنذرهم ، استعيرت البشارة التي هي الإخبار بما يظهر سرورا في المخبر به للإنذار الذي هو ضدّها بإدخال الإنذار في جنس البشارة على سبيل التهكّم ، وكذا قولك : رأيت أسدا وأنت تريد جبانا على سبيل التمليح والظرافة. والاستهزاء الثاني باعتبار الجامع إلى قسمين لأن الجامع إمّا غير داخل في مفهوم الطرفين كما في استعارة الأسد للرجل الشجاع ، فإن الشجاعة خارجة عن مفهوم الطرفين ، وإمّا داخل في مفهوم الطرفين نحو قوله عليهالسلام : «خير الناس رجل يمسك بعنان فرسه كلّما سمع هيعة طار إليها ، أو رجل في شعفة في غنيمة له يعبد الله حتى يأتيه الموت» (٣). الهيعة الصوت المهيب ، والشّعفة رأس الجبل. والمعنى خير الناس رجل أخذ بعنان فرسه واستعدّ للجهاد ، أو رجل اعتزل الناس وسكن في رأس جبل في غنم له قليل يرعاها ويكتفي بها في أمر معاشه ويعبد الله حتى يأتيه الموت. استعار الطّيران للعدو والجامع وهو قطع المسافة بسرعة داخل في مفهومهما. وأيضا باعتبار الجامع إمّا عامّية وهي المبتذلة لظهور الجامع فيها نحو : رأيت
__________________
(١) الانعام / ١٢٢.
(٢) آل عمران / ٢١.
(٣) أخرجه أحمد في المسند ، ٢ / ٣٩٦ ، عن أبي هريرة بلفظ : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ألا أخبركم بخير البرية ، قالوا بلى يا رسول الله ، قال : رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله عزوجل ، كلّما كان هيعة استوى عليه. ألا أخبركم بالذي يليه ، قالوا بلى : رجل في ثلة من غنمه يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة. ألا أخبركم بشر البرية ، قالوا بلى ، قال : الذي يسأل بالله ولا يعطي به.