تكون بمعنى المصدر فيصحّ منه الاشتقاق ، فالمتكلّم مستعير واللفظ المشبّه به مستعار ، والمعنى المشبّه به مستعار منه ، والمعنى المشبّه مستعار له ، هكذا في الأطول وأكثر كتب هذا الفن.
وزاد صاحب كشف البزدوي ما يقع به الاستعارة وهو الاتصال بين المحلّين لكن في الاتقان أركان الاستعارة ثلاثة : مستعار وهو اللفظ المشبّه به ، ومستعار منه وهو اللفظ المشبّه ، ومستعار له وهو المعنى الجامع. وفي بعض الرسائل المستعار منه في الاستعارة بالكناية هو المشبّه على مذهب السكاكي انتهى.
ثم قال صاحب الاتقان بعد تعريف الاستعارة بما سبق ، قال بعضهم : حقيقة الاستعارة أن تستعار الكلمة من شيء معروف بها إلى شيء لم يعرف بها ، وحكمة ذلك إظهار الخفي وإيضاح الظاهر الذي ليس بجليّ ، أو حصول المبالغة أو المجموع. مثال إظهار الخفي : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ) (١) فإنّ حقيقته وإنّه في أصل الكتاب فاستعير لفظ الأم للأصل لأن الأولاد تنشأ من الأم كما تنشأ الفروع من الأصول ، وحكمة ذلك تمثيل ما ليس بمرئي حتى يصير مرئيا فينتقل السامع من حدّ السّماع إلى حدّ العيان ، وذلك أبلغ في البيان. ومثال إيضاح ما ليس بجليّ ليصير جليّا : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ) (٢) فإن المراد منه أمر الولد بالذلّ لوالديه رحمة فاستعير للذّلّ أولا جانب ثم للجانب جناح ، أي اخفض جانب الذلّ أي اخفض جانبك ذلاّ ؛ وحكمة الاستعارة في هذا جعل ما ليس بمرئي مرئيا لأجل حسن البيان.
ولمّا كان المراد خفض جانب الولد للوالدين بحيث لا يبقى الولد من الذلّ لهما والاستكانة متمكنا ، احتيج في الاستعارة إلى ما هو أبلغ من الأولى ، فاستعير لفظ الجناح لما فيه من المعاني التي لا تحصل من خفض الجانب ، لأن من يميل جانبه إلى جهة السّفل أدنى ميل صدق عليه أنّه خفض جانبه ، والمراد خفض يلصق الجنب بالأرض ولا يحصل ذلك إلاّ بذكر الجناح كالطائر. ومثال المبالغة : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) (٣) أي فجّرنا عيون الأرض ، ولو عبّر بذلك لم يكن فيه من المبالغة ما في الأول المشعر بأن الأرض كلها صارت عيونا. انتهى.
فائدة :
اختلفوا في الاستعارة أهي مجاز لغوي أو عقلي ، فالجمهور على أنها مجاز لغوي لكونها موضوعة للمشبّه به لا للمشبّه ولا لأعمّ منهما.
وقيل إنها مجاز عقلي لا بمعنى إسناد الفعل أو معناه إلى ما هو له بتأوّل ، بل بمعنى أنّ التصرّف فيها في أمر عقلي لا لغوي لأنها لم تطلق على المشبّه إلاّ بعد ادّعاء دخوله في جنس المشبّه به فكان استعمالها فيما وضعت له ، لأن مجرد نقل الاسم لو كان استعارة لكانت الأعلام المنقولة كيزيد ويشكر استعارة ، وردّ بأن الادعاء لا يقتضي أن تكون مستعملة فيما وضعت له للعلم الضروري بأن الأسد مثلا موضوع للسبع المخصوص ، وفي صورة الاستعارة مستعمل في الرجل الشجاع ، وتحقيق ذلك أنّ ادعاء دخوله في جنس المشبّه به مبني على أنه جعل أفراد الأسد بطريق التأويل قسمين : أحدهما المتعارف وهو الذي له غاية الجرأة ونهاية القوّة في مثل تلك الجثة وتلك الأنياب والمخالب إلى غير ذلك. والثاني غير المتعارف وهو الذي له تلك
__________________
(١) الزخرف / ٤.
(٢) الاسراء / ٢٤.
(٣) القمر / ١٢.