من المبادئ المصطلحة السابقة من التصوّرات والتصديقات ؛ وعلى هذا تكون المبادئ أعم من المقدمات أيضا ، فإنّ المقدمات خارجة عن العلم لا محالة بخلاف المبادئ. والمبادئ بهذا المعنى قد تعدّ أيضا من أجزاء العلم تغليبا ، وإن شئت تحقيق هذا فارجع إلى شرح مختصر الأصول وحواشيه (١). ومنهم من فسّر المقدمة بما يعين في تحصيل الفنّ فتكون المقدمات أعم ، كذا قيل ، يعني تكون المقدمات بهذا المعنى أعمّ من المبادئ بالمعنى الأول لا من المبادئ بالمعنى الثاني وإن اقتضاه ظاهر العبارة إذ بينها وبين المبادئ بالمعنى الثاني هو المساواة ، إذ ما يستعان به في تحصيل الفنّ يصدق عليه أنه مما يتوقف عليه الفنّ إمّا مطلقا ، أو على وجه البصيرة ، أو على وجه كمال البصيرة ، وبالجملة فالمعتبر في المبادئ التوقّف مطلقا. قال السيد السند : مبادئ العلم ما يتوقف عليه ذات المقصود فيه (٢) ، أعني التصوّرات التي يبتنى عليها إثبات مسائله ، وهي قد تعدّ جزءا منه ، وأمّا إذا أطلقت على ما يتوقف عليه المقصود ذاتا أو تصوّرا أو شروعا فليست بتمامها من أجزائه ؛ فإنّ تصوّر الشيء ومعرفة غايته خارجان عنه ، ولا من جزئيات ما يتضمنه حقيقة لدخوله في العلم قطعا ، انتهى.
الرءوس الثمانية
قالوا الواجب على من شرع في شرح كتاب ما أن يتعرّض في صدره لأشياء قبل الشروع في المقصود ، يسمّيها قدماء الحكماء الرءوس الثمانية.
أحدها الغرض من تدوين العلم أو تحصيله ، أي الفائدة المترتبة عليه لئلاّ يكون تحصيله عبثا في نظره.
وثانيها المنفعة وهي ما يتشوّقه الكلّ طبعا وهي الفائدة المعتدّ بها ليتحمل المشقّة في تحصيله ، ولا يعرض له فتور في طلبه ، فيكون عبثا عرفا ؛ هكذا في تكملة الحاشية الجلالية (٣). وفي شرح التهذيب (٤) وشرح إشراق الحكمة (٥) أنّ المراد بالغرض هو العلّة الغائية ، فإنّ ما يترتب على فعل يسمّى فائدة ومنفعة وغاية فإن كان باعثا للفاعل على صدور ذلك الفعل منه يسمّى غرضا وعلّة غائية ، وذكر المنفعة إنّما يجب إن وجدت لهذا العلم منفعة ومصلحة سوى الغرض الباعث ، وإلاّ فلا.
وبالجملة فالمنفعة قد تكون بعينها الغرض الباعث.
__________________
(١) شرح مختصر الأصول لعلي بن محمد الجرجاني (ـ ٨١٦ هـ / ١٤١٣ م) شرح فيه مختصر منتهى السئول والأمل في علمي الأصول والجدل لجمال الدين أبي عمرو عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب (ـ ٦٤٦ هـ / ١٢٤٩ م).
استانه ، د. ت. كشف الظنون ، ٢ / ١٨٥٣ ـ ١٨٥٤. معجم المطبوعات العربية ، ٦٧٩.
(٢) منه (م).
(٣) تكملة الحاشية الجلاليّة (حاشية جلال الدين الدواني على شرح القوشجي لتجريد الكلام لنصير الدين الطوسي).
معجم المطبوعات العربية ٨٩٢ ، اكتفاء القنوع ١٩٧.
(٤) شرح التهذيب لجلال الدين محمد بن أسعد الدواني الصديقي الشافعي (ـ ٩٠٧ هـ) ، طبع في لكناو ١٢٩٣ ه.
معجم المطبوعات العربية ، ٨٩٢.
(٥) شرح اشراق الحكمة. الأرجح أنه شرح حكمة الإشراق لقطب الدين محمد بن مسعود بن مصلح الدين الفارسي (ـ ٧١٠ هـ) ، اسماء الكتب ٨٧.