ذلك لأعني أنَّه نظام بمفهوم جديد ، لا ينبثق إلاَّ مِن جوهر الرسالة ، إنَّ المَخلوف هو جَدِّي النبيُّ الذي هو الرسالة ، والتي هي بدورها جَدِّي النبي ، اللذان هما ـ في المآل الأخير ـ المُجتمع الذي هو الأُمَّة. أمَّا الإمامة فهي الترتيب الفَخم المُشتقُّ ـ لفظاً ومعنى ـ مِن الأُمَّة لأجل الأُمَّة ، أمَّا الأُمَّة التي صيغت جديداً وسُحِبت مِن كلِّ أنظمتها البالية ، التي كانت تفسخها ولا تلحمها ، فإنَّها تأخذ نظام سياستها وصيانتها مِن الرسالة ذاتها ، التي سحبتها مِن تفسخها ، ولحمتها بوحدتها الرائعة. ليس الذي يؤسِّسها الآن مجاميع مَشيخات ، وزمر مِن أبالسة الأصنام ، إنَّما مَن يَسوسها في يومها الطالع ، فهو النبيُّ المَخلوف بتمام ما أنجز وتمَّم وأورث ، أمَّا أنْ تعود السياسة إلى مُبايعات ترقص رقصاً تحت أطناب المشايخ ، فهذا ما لا عودة إليه ، مَرضاً مُزمناً يُفسِّخ المُجتمع إلى وحدات لا حصر لها في العدد الذي يَفسخ ويَلغي.
مِن هنا ؛ إنَّ حصر الإدارة بخَطٍّ واحدٍ مبنيٍّ أساساً مِن جوهر الرسالة ، هو الذي يوحِّد السياسة ويوجِّهها ، ويُبعِد الأُمَّة عن أسباب تَشرذمها وتَخلُّفها ، ويُنسيها تماماً مناهجها العتيقة ، وهكذا تكون الإمامة أُسلوباً مُشتقَّاً مِن واقع المُجتمع ، أيْ مِن واقع إصابة أسباب تَخلُّفه ، ثمَّ في تنظيم ما يُزيلها أسباباً ويقضي عليها.
هنالك الزمن الآتي ، وهنالك المُجتمع الذي ينمو سِيَّما ويتطوَّر ، وهنالك كذلك الإمامة التي يعمق ضميرها في جوهر الرسالة ، والتي ستبقى ترسم ذاتها في مبناها ومعناها ، في رفقة المُجتمع الذي يُصبح ـ هو بالذات ـ مُرآتها في التصوُّر والتطوُّر.