وتفتيشها الدائب ، مُنذ أنْ بدأت تدب فوق هذه الأرض التي هي أرضها وحدودها ، ضمن بَوْتقة الزمان والمكان ، وهي التي انصهرت في عبقريَّته الفريدة ، واستقطبته إليها ، كأنَّه أعزُّ وأنبل وأجهد مَن لبَّاها إلى التوق الإنساني في اكتشاف ذاته والتلقُّط بحقيقة المُجتمع الإنساني ، الذي هو حِصنه في الوجود. ليس إدراك هذا بمعناه الجليل إلاَّ مِن نصيب القِلَّة الفاهمة في المُجتمع ، مِن هنا كان جَدُّنا ـ يا أخي ـ هو المُقتدر في الفَهم والإلمام ، وكان أبونا عليٌّ الأوَّل في الاستيعاب ، وكنَّا نحن المنقول إلينا وهج هو المُلزمنا أنْ نتلمَّسه ، لأنَّنا نشأنا في دائرة مِن دوائره الكبيرة.
ما توقَّف الحسن قليلاً عن مُتابعة البحث ، إلاَّ إفساحاً لما رآه يجول في خاطر أخيه الحسين. قال الحسين :
الحسين : ـ لقد كنت هناك ، في بيتنا في المدينة قُرب المسجد ، أُصغي إلى مِثل هذه المعاني تنطق بها جُدران البيت ، وسقفه ، والباحة التي كانت أمامه ، وهي ترتعش بشجرة الأراك. أكمل يا أخي ، إنَّني لا أزال أُصغي إليك.
أمَّا الحسن ، فإنَّه تناول رأس أخيه وفركه بين يديه ، وقبَّله ، ثمَّ استطرد في القول :
الحسن : ـ أمَّا نحن ، فإنَّ الإمامة هي التي أُوكِلت إلينا ، وراح يمنعها عنَّا كلُّ مَن لم يفهم أنْ الأُمَّة التي قصد الرسول ترسيخها ، ما كانت إلاَّ هَمُّه الأوحد ، ومُبتغاه الجامع ؛ لهذا فإنَّه قصدان يصونها بالصدق والطُّهر النابعين مِن الإيمان ، ومِن ثمَّ بالنظام. إنَّ الإمامة هي النظام ، وهي أُسلوب في الحُكم ، والسياسة ، والإدارة ، مشتقُّ مِن واقع الأُمَّة بالذات. أقول