يلمسها بوصف وتحديد : هل هي ثُؤلول في أنفه؟ أم حَدَرَة في جِفنه؟ أم غُضروف تحت لسانه؟ أم مُزحة طويلة مَدَّ لها رُمحه في ساحات الجهاد؟!!
لقد كانت الدُّعابة ـ إنَّنا الآن نقول ـ في نيَّة عمر ، يَمزح هو بها على المُجتمع ، وقد صاغه النبي بعِرقه وعِرق عليٍّ ، حتَّى يكون وحدة فاعلة يَعجنها ويخبزها : التُّقى ، والحُبُّ ، والعدل ، والإخلاص ، مِن دون أنْ تلوي بها أيَّة مَزحة مِن المَزحات ، التي كانت تتداعب بها القبائل المُجْفَل منها الوعي ، والفَهم ، والإدراك.
لو أنَّ عمر لم يَكذِب على نفسه وعلى نبيِّه ، وعلى حقيقة بناء مُجتمعه ، لكان نجَّى الأُمّة مِن الزواريب التي كانت تتعبَّأ بها السموم الزاحفة إليها مِن لَهيب حَرَّاتها ، ولقد كانت القبلية مِن أفتك السموم ، ومِن أشدِّ تلك الحرَّات نَفثاً بها!.
ما كان أغنى عمر عن مجلسٍ يضمُّ خمسة مُتزاحمين مُتصارعين على كرسيِّ زعامة ، وخلفهم مئات وأُلوف مِن القبائل المُبايعين المُساندين ، الضاربين بالسيف والرمح والرَجِل والخيل ، هنالك سادس لم يَدعب به التركيز والتأسيس ، ولم يأثم به : لا النبي ، ولا الحَقُّ ، ولا العدل ، ولا العقل ، ولا الصدق ، ولا الزَّند في ساحات الجهاد ، لقد بُني كأنَّه المصفاة لتُخلِّص الأُمَّة جَمعاء ، مِن أغبرة المُبايعات والزحافات على كرسيِّ لم يَعُد مُطلقاً مشيخةً ، بلْ إنَّه بيت لأُمَّة تنرصُّ نحو المَجد والعظمة ، إنَّه السادس الذي اصطفاه المؤسِّس العظيم ، الذي أسَّس وصمَّم ونفَّذ ، إنَّه صخرة الأساس ، ويمين في التصميم ، وعزم حادٌّ أصيل في التنفيذ ، فلماذا خضع عمر لمَهابة النبوَّة ، ولم يخضع لمُقرَّرات النبوَّة؟
كلُّ ذلك كان يحزُّ في نفس الحسن والحسين ، عشيَّة كان جزاء أبيهما ، مِن جهاد العُمر ، مَدْيَةً ينخرها الصدأ ، كبته كبَّاً رخيصاً ، وهو في خِضَم مِن جلال ووقار! صحيح أنَّ مرارة ثقيلة المَذاق كانت تُهيمن عليهما ، وهما يستدرجان واقع الأحداث التي أدَّت إلى مقتل أبيهما ، ولكنَّهما كانا يغرقان في جِدِّيَّة مِن البحث المسؤول ، فيه تقويم شامل وعامٌّ عن وضع الجزيرة ، وعن دورهم المسؤول في المُجتمع ، لقد تفرَّع