بالحقيقة ، إنَّ الفترة الزمنيَّة التي
قضاها عثمان في الحُكم ، والتي لم تقلَّ عن اثنتي عشرة سنة ، كانت غَنيَّة في
مردودها ... لم يكن ذلك في مُساهمة عثمان بجمع آيات القرآن احتراصاً مِن ألاَّ
تتناولها أيدي الضياع أو النسيان ، لقد قُدِّر له العمل بالرغم مِن أنَّ الحِرص
هذا كان أولى به الاهتمام ، بترسيخ المعاني المُنزَّلة في النفوس ، حتَّى تستمرَّ
صامدة في بُنيتها المُعفَّفة ، وعندئذ فإنَّ التسجيل الباهر هو الظاهر كالشمس ، التي
لا تحتاج إلى تسجيل يضبطها مِن النسيان. ولكنَّ تسجيل آيات القرآن وسِجنها في
قوالب الحروف ، مِن دون تخزينها فاعلةً في نفسه ـ كوكيل مؤتمَن على صيانتها ودفعها
، حقَّاً تُقى ، وعدلاً ونوراً للمُجتمع الذي لا يشتاق إلاَّ الى الحَقِّ والتُّقى
والعدل والنور ـ هو الذي كان ضياعا ابشع من النسيان.
مِن هنا كان مردود هذه السنوات
العثمانيَّة كريماً في تحريك ثورة ـ وإنْ بحَجم زهيد وضئيل ـ رفضت استهانة عثمان
بالرسالة التي هي بين يديه ، وهو يُسجِّلها في الحرف بدون أنْ يقرأ لمحة واحدة مِن
معانيها المُنيرة. لقد قالت له الثورة الضئيلة : حجمك ـ يا عثمان ـ ضئيل في الحُكم
، لهذا ننقم عليك ، لقد رأيناك تلبس عشرة سراويل ، ولمَّا رحنا نُفتِّش على أيِّ
نول حِكْتها ، وجدنا حول بيتك عشرة عراة يسألون عمَّن سرق سراويلهم ، لهذا ننقم
عليك ، ولقد وجدناك تتنزَّه مِن قصرٍ إلى قصر مِن بيوتك العامرة ، ولمَّا سألناك
مَن بناها لك؟ وجدنا المئات مِن المساكين حول دورك ، كلُّ واحدٍ يتوسَّل وهو يقول
: لست أدري ـ يا عثمان ـ كيف اقتُلع كوخي؟ فهل مِن سبيل أنْ تردَّ لي كوخي؟
ولأنَّك لم ترِدْ أنْ تفهم معنى الطلب نقمنا عليك ، ولقد وجدناك تدخل البصرة
وتدَّعي أنَّها بستان لك باسم قريش ؛ ولهذا نقمنا عليك ـ ولقد رأيناك تدخل علينا
في مصر ونحن نحلب أبقارنا لنُرضع أولادنا لبنها ، فاستوليت على أبقارنا وعلينا
وأنت تدَّعي وتقول : الأرض وما فيها بقرة حَلوب لنا ، وليست لسوانا ؛ لهذا نقمنا
عليك. لقد تفرَّدت بالحُكم وجعلت وظائف الدولة حَكراً عليك وعلى أزلامك
المُقرَّبين ، كأنَّ القبيلة الواحدة هي ميزان القوَّة الضاربة بالظلم والاحتكار
والاستبداد ؛ لهذا فإنَّنا ننقم كثيراً عليك!!!.