لم يكن عجباً أنْ يرفض الإمام عليٍّ خلافة مربوطة بهذا الشرط : العمل أوَّلاً بسُنَّة الرسول ، وثانياً بنهج الشيخين ، إنَّ البيت كلَّه هو سُنَّة الرسول (ص) ، أمَّا نهج الشيخين فإنَّه قائم على تحقيق رعونة القبليَّة ، وليس فيها مِن قصد غير تشديد بني أُميَّة لتحطيم أهل البيت ، وبالتالي تحطيم الرسالة التي هي الآن ـ في المنظار الأكبر ـ الأُمَّة المُنطلقة إلى تمجيد ذاتها بكلِّ حدودها المُجتمعيَّة ـ التاريخيَّة ـ الإنسانيَّة العظيمة.
ولم يكن قبول الإمام علي باعتباره سادساً في المجلس الاستشاري ، إلاَّ ليتسنَّى له عن كَثب مُشاهدة توزيع الأدوار في المهزلة التي ابتدأت ، تمثيلاً بأبي بكر ، وستنتهي ـ حتماً ـ بابن عفَّان ، أمَّا رفضه القَبول بالخلافة ـ فإنَّه تمثيليٌّ أيضاً ـ لأنَّه المُتوقِّع المُبصر أنَّ طبخة عمر ما كان لها أبداً أنْ تُقبَل ، فتُنزَّل في قِدرٍ مِن قُدور بني طالب!!!.
يبقى وحده التخوُّف على الأُمَّة ، علَّ الرسالة تبقى تُكفكفها وتُنجيها مِن عثمانيَّة تصنع قميصها وتمشي به مِن المدينة إلى الشام كأن مشيتها نُزْهَة ، بينما كانت مشواراً طويلاً أفسد الرحلة ، وقطَّع الخيطان في المُكوَّك الذي رغب النبيُّ الكريم بتسليمه لأهل البيت ، حتَّى يضبطوا به حياكة قُمصان الأُمَّة لتزدان بها في كلُّ عيدٍ.
ـ ١٠ ـ
إنَّ هذا الحديث الذي مررنا به في المقطع السابق ، كان يَعرضه الإمام عليٍّ على الحسن والحسين ، وهو مُغمَض العينين كسيف الخاطر ، بعد أنْ هاجت الثورة على الخليفة عثمان ، واقتحمت داره ، ومزَّقت ضلوعه ، وقطَّعت أصابع كفِّ زوجته نائلة ، وهي تُدافع عنه مِن ضربة السيف ، وعرَّت صدره مِن القميص الذي صُبغ بدمه ، وطار به بشير بن النعمان ليعرضه ـ وأصابع المرأة ملفوفة به ـ على مُعاوية في الشام ، ليعرف كيف يتدبَّر الأخذ بالثار.