كأنَّك لا تُريدها تمشي بين يديك!!! بالله عليك ، أيُّ شيء تقصد؟ وأيُّ معنى ترمي إليه؟
الحسين : ـ محمد ، هل يجوز لنا ـ بعد أنْ غُصنا خمسين سنة في خِضَمٍّ مِن الأحداث ، ونحن أولياء جَدِّنا النبي ، وفي أعيُننا ضوء مِن نوره ، وقَبَس مِن هَدْيه ، وفِطنة مِن ذكائه ، وعزم مِن مضائه ـ أنْ لا نعرف كيف نقرأ حروف الكلمة ، وأنْ نُضيِّع في تفسير الرموز ، ونتيه حيالها في الأوهام!!! إنَّي أسألك : هل أنت مُنتظر مِن مُبايعات الكوفة والبصرة تلبية ترصُّ الصفوف وتقتحم الميدان؟! ما أسرعني يا أخي محمد أقول لك : قد ذلَّلَتْ الخمسون سنة مِن عُمرنا ، لا البصرة والكوفة وحدهما ، بلْ ذلَّلت الأُمَّة جمعاء ، ابتداء مِن غَوطة الشام ، وانتهاء إلى وادي النيل! عندما ذلَّت الأُمَّة أصابنا ـ نحن أهل البيت ـ وخاصَّة الرسول في عُهدة الإمامة ، ذِلٌّ أكبر ، ولن يُحرِّرنا منه إلاَّ العمل الأكبر ، والنهج الأكبر. ولن أصبر عليك حتَّى تستفهمني أكثر ، بلْ أسألك : مَنْ يُمسك في هذه اللحظة بالذات بخِناق العراق؟! إنَّه عبيد الله بن زياد ، لقد كان مُكتفياً بإمرة البصرة على أيَّام مُعاوية ، وها أنَّ يزيد يُرضيه بتوسيع ولايته على كلِّ أنحاء الكوفة ، لماذا؟ لأنَّه أتقن الفتك عن أبيه زياد ، وأجاد في بثِّ الإرهاب عن عَمِّه مُعاوية ، وها هو الآن أفسق مِن أميره زياد ، وأشرس مِن قرده (أبي قيس) ، إنَّ عبيد الله هذا يا أخي محمد ـ يعرف كمْ كَمأة قاءت الأرض في البصرة ، وكمْ بيضة قاقت بها دجاجات الحيِّ في الكوفة ، وكمْ شاة ثغت على حَملها المشويِّ فوق مائدة الأمير!!! إنَّ أرضاً واليها عبيد الله بن زياد ، أو مروان بن الحكم ، أو عمرو (الأشدق) ، وسائسها يزيد بن مُعاوية ، لأرض تنسى أنها سواد