لقد دلَّ الاختبار الحسين أنَّ الأُمَّة
تستأنس كثيراً بكلِّ واحدٍ مِن أبنائها ، يُقدِّم لها أنوالاً جديدة تتوسَّع
الحياكة فيها ويتنوَّع جَدْلُ قمصانها. إنَّها الأُمَّة التي ستغتني بما تلبس ، وستترفَّه
بما طرَّزوه لها ، وستعرف أنَّ في نفسها ، وحسَّها ، ووعيها ، زرعاً تأخذ منه ـ
لكلِّ ساعة مِن عمرها ـ حصاداً جديداً ينتقيه لها جوعها أو شبعها ، وستعرف أنَّ
كلَّ تُخمة تقع فيها تُعلِّمها كيف أنَّ الرجوع إلى جوع يكون أدسم مِن السِّمنة ، وأكثر
اعتدالاً مِن الجَشع والنَّهم.
ولقد مَرَّ عليه الاختبار أنَّ جَدَّه
العظيم قدَّم النول الكبير ، وجهَّزه بالخيطان الصحيحة ، وها هي الأُمَّة تأخذ مِن
هذا النول قُمصانها ، ولقد مرَّ عليه الاختبار أنَّ أباه النزيه ملأ الدلاء
بالألوان البريئة ، حتَّى تستسيغ الأُمَّة ـ ساعة يفتقر ذوقها إلى اللون ـ أنْ
تصبغ القميص الذي ترتديه بلون الصدق ، أو بلون العدل ، أو بلون النزاهة المُستقيمة
بنظافة الكَفِّ والحَقِّ ، ولقد مَرَّ عليه الاختبار أنَّ أخاه المُعبَّر عن دور
الإمامة ، تناول القُمصان ذاتها ، وقد وسَّخها الاستعمال ولطَّخها بغُبار البُغض
والزيغ والتعدي ، وطمع الاستئثار بأنانيَّة الحُكم والثراء المُزوَّر ، فغسلها
بزُوفى السماح ، ودهنها بالصلح الأبيض ، فإذا بكلِّ كفٍّ نظيفة تُصافح أُختها
بالمَحبَّة والوئام.
اللَّهمَّ ـ يُسِرُّ الحسين إلى ذاته ـ
شدَّد عزمي ؛ حتَّى أُقدِّم للأُمَّة ـ التي هي أُمَّة رسولك وحبيبك محمد ـ ما
يُصلح أمرها ؛ حتَّى تُوسِّع مِن خُطواتها فوق دروب الحياة ، اجعلني أشدد حُقويها
، وامنحني قوَّة الوثب أُعلِّمها ـ لا بالحرف وتَمتعة الشفتين ـ بلْ بالقدوة
الحيَّة. إنَّ العُنفوان في الحياة هو الذي يقود إلى المجد ، وإنَّ التسكَّع
والاستكانة لا يَصلحان لأكثر مِن ساعة ، وإذ تمرُّ بلا جدوى ، فإنَّ الذِّلَّ وحده
يُصبح الخَلَف ، وهو غِلاف الموت ، وهو الرماد المخطوف اللون والنخوة والدم ، وهو
الذي يتطلَّب العنفوان في النجدة العزيزة ، التي هي شرارة ترفض الذِّلَّ وتُحرقه ،
وهي تحترق معه في غمرة الإباء والعُنفوان.
ها هي الشرارة التي ولَّدتها في نفس
الحسين مُعاناة الحسين ، طيلة سِتٍّ وخمسين سنة مِن عُمره الهاجع في ضمير الإمامة
، إنَّه الآن تعبير عن وثبة جديدة سيثبها بعد