وقيلَ : سُمِّيَت لأَنَّها أَقْدَم القُرَى التي في جَزيرَةِ العَرَبِ وأَعْظَمها خَطَراً ، فجُعِلَتْ لها أُمّاً لاجْتِماعِ أَهْل تلكَ القُرَى كُلّ سَنَة وانْكِفائِهم إليها ، وتَعْوِيلِهم على الاعْتِصام بها لمَا يَرْجُونَه مِن رحْمَةِ اللهِ تعالَى ، وقالَ الحَيْقُطان :
غَزَاكُم أَبو يَكْسوم في أُمِّ دارِكُم |
|
وأَنْتم كفَيْضِ الرَّمْلِ أَو هو أَكْثَرُ (١) |
يعْنِي : صاحِبَ الفِيْل.
وقيلَ : لأَنَّها وَسَط الدُّنيا فكأنَّ القُرَى مُجْتَمِعَةٌ عليها ، وقَوْلَه ، عزوجل (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا) (٢).
قالَ قَتَادَةُ أُمُّ الكِتابِ أَصْلُهُ ، نَقَلَه الزَّجَاجُ. أَو اللَّوْحُ المَحْفوظُ ، أَو سُورَةُ الفاتِحَةِ (٣) ، كما جاء في حَدِيْثٍ أَو القرآنُ جميعُهُ مِن أَوَّلِه إلى آخِرِه ، وهذا قَوْلُ ابنِ عَبَّاسٍ.
ووَيْلُمِّهِ تقدَّمَ ذِكْرُه في «و ي ل».
وقَوْلُهم : لا أُمَّ لَكَ : ذَمٌّ ، ورُبَّما وُضِعَ مَوْضِعَ المَدْحِ ، قالَهُ الجوْهرِيُّ ، وهو قَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ ، وأَنْشَدَ لكَعْبِ بنِ سعْدٍ يَرْثي أَخَاه :
هَوَتْ أُمُّهُ ما يَبْعَث الصُّبْح غادِياً |
|
وما ذا يُؤَدِّي الليلُ حينَ يَؤوبُ؟ (٤) |
قالَ أَبو الهَيْثم : وليسَ هذا ممَّا ذَهَبَ إليه أَبو عُبَيْدٍ ، وإنَّما معْنَى هذا كقَوْلِهِم : وَيْحَ أُمِّه ووَيْلَ أُمِّه وهَوَتْ والوَيْلُ لها ، وليسَ للرجُلِ في هذا مِن المَدْحِ ما ذَهَبَ إليه ، وليسَ يُشْبِه هذا قَوْلهم لا أُمَّ لَكَ لأنَّ قَوْلَه : لا أُمَّ لَكَ في مَذْهَب ليسَ لَكَ أُمُّ حُرَّة ، وهذا السَّبُّ الصَّريح ، وذلِكَ أَنَّ بَني الإمَاء عنْدَ العَرَبِ مَذْمُومُون لا يلحَقُونَ ببَنِي الحَرائِر ، ولا يقولُ الرَّجُلُ لصاحِبِه : لا أُمَّ لَكَ إلَّا في غَضَبِه عليه مُقَصِّراً به شاتِماً له ، وقيلَ : معْنَى قَوْلِهم : لا أُمَّ لَكَ ، يقولُ إنَّك لَقِيطٌ لا يُعْرَف لَكَ أُمٌّ.
وقالَ ابنُ بَرِّي في تفْسِيرِ بيتِ كَعْبِ بنِ سعْدٍ : إنَّ قَوْلَه : هَوَتْ أُمُّه ، يُسْتَعْملُ على جهَةِ التَّعَجُّب كقَوْلِهم : قاتَلَهُ اللهُ ما أَسْمَعه ، معْناه : أَيُّ شيءٍ يَبْعَثُ الصُّبْح مِن هذا الرجُلِ؟ أَي إذا أَيْقَظه الصُّبْح تصرَّفَ في فِعَل ما يُريدُ. وغادِياً : مَنْصوبٌ على الحالِ ، ويُؤُوبُ : يَرْجِعُ ، يُريدُ أَنَّ إقْبالَ الليلِ سَبَبُ رجُوعِهِ إلى بَيْتِه كما أَنَّ إقْبالَ النَّهارِ سَبَبٌ لتصرُّفِهِ.
وأَمَّتْ أُمومَةً : صارَتْ أُمًّا.
وتَأَمَّمَها واسْتَأمَّها : أَي اتَّخَذَها أُمًّا لنفْسِهِ ، قالَ الكُمَيْت :
ومِن عَجَبِ بَجِيلَ لَعَمْرُو أُمٍّ |
|
غَذَتْكِ وغيرَها نَتَأَمَّمِينا(٥) |
أَي : مِن عَجَبٍ انْتِفاؤُكم عن أُمِّكم التي أَرْضَعَتْكُم واتِّخَاذِكُم أُمًّا غيرَها.
وما كُنْتِ أُمًّا فأَمِمْتِ ، بالكسْرِ ، أُمومَةً ، نَقَلَه الجوْهرِيُّ وأَمَّهُ أَمًّا فهو أَمِيمٌ ومأمومٌ. أَصابَ أُمَّ رأْسِه ، وقد يُسْتعارُ ذلِكَ لغيرِ الرَّأْسِ ، قالَ الشَّاعِرُ :
قَلْبِي منَ الزَّفَرَاتِ صَدَّعَهُ الهَوَى |
|
وَحَشايَ من حَرِّ الغِرَاقِ أَمِيمُ(٦) |
وشَجَّةٌ آمَّةٌ ومأْمومةٌ : بَلَغَتْ أُمَّ الرَّأْسِ ، وهي الجِلْدَةُ التي تَجْمَعُ الدِّماغَ.
وفي الصِّحاحِ : الآمَّةُ هي التي تَبْلُغُ أُمَّ الدِّماغِ حتى يَبْقَى بَيْنها وبينَ الدِّماغِ جِلْدٌ رقيقٌ ، ومنه الحَدِيثُ في الآمَّةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ.
وقالَ ابنُ بَرِّي في قَوْلِه في الشَّجَّة مَأْمُومَة : كذا قالَ أَبو العَبَّاسِ المبرِّدِ : بعضُ العَرَبِ يقولُ في الآمَّةِ مَأْمُومَة ، قالَ : قالَ عليُّ بنُ حَمْزة ، وهذا غَلَطٌ إنَّما الآمَّةُ الشَّجَّةُ ، والمَأْمُومَةُ : أُمُّ الدِّماغِ المَشْجُوجَةُ ، وأَنْشَدَ :
يَدَعْنَ أُمَّ رَأْسِه مَأْمُومَهْ |
|
وأُذْنَهُ مَجْدُوعَةً مَصْلُومَهْ (٧) |
والأُمَيْمَةُ ، كجُهَيْنَةَ : الحجارَةُ تُشْدَخُ بها الرُّؤُوسُ ، كذا في المُحْكَمِ.
__________________
(١) معجم البلدان «أم القرى» وفيه : «وأنتم كقبض».
(٢) الزخرف الآية ٤.
(٣) في القاموس بالضم.
(٤) اللسان.
(٥) اللسان والصحاح.
(٦) اللسان.
(٧) اللسان.