أَصْحابِنا. وحاصِلُ ما في شرْحِ الدَّلائِل للفاسِيّ ما نَصّه : تَرَحَّم لُغَةٌ غيرُ فَصِيحةٍ ، وقيلَ : لحنٌ ، وقيلَ (١) : مع كَوْنِها لا يصحُّ إطْلاقُها على اللهُ تعالَى لمَا فيها مِن التَّكَلُّفِ ؛ وقيلَ : إنَّ ذلِكَ جارٍ على إرادَةِ المُشاكَلَةِ أَو المُجازَاةِ أَو نحْوِهما ، لأنَّ التَّرَحّمَ هنا سُؤالُ الرَّحْمَة ومِن اللهِ إعْطاؤُها. وفي الحدِيْث المَذْكورِ الدُّعاءُ للنبيِّ صلىاللهعليهوسلم ، بالرَّحْمَةِ والمَغْفِرَةِ ، وهي مَسْأَلةٌ مُخْتَلَفٌ فيها ، والحقُّ مَنْعُ ذلِكَ على الانْفِرادِ وجَوازُهُ تِبعاً للصَّلاة ونحْوِها.
والرَّحَمُوتُ : فَعَلُوتُ مِن الرَّحْمَةِ ، يقالُ : رَهَبوتٌ خَيْرٌ لَكَ مِن رَحَمُوتٍ لم يُسْتَعْمَلْ هذه الصِّيغَة إلَّا مُزْدَوِجاً ، وهو مَثَلٌ من أَمْثالِهِم ، أَي أَن تُرْهَبَ خَيْرٌ لَكَ من أَنْ تُرْحَمَ ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.
وقوْلُه تعالَى : (وَاللهُ) يَخْتَصُّ (بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) (٢) ؛ أَي يَخْتَصُّ بنُبَوَّتِهِ ممَّنْ أَخْبَرَ ، عزوجل ، أَنّه مُصْطفًى مُخْتارٌ.
والرِّحْمُ ، بالكسْرِ وككَتِفٍ : بيتُ مَنْبِتِ الوَلدِ ووِعاؤُه في البَطْنِ ، كما في المُحْكَمِ ؛ وأَنْشَدَ لعَبيدٍ :
أَعاقِرٌ كذات رِحْمٍ |
|
أَم غانِمٌ كمَنْ يَخيبُ؟ (٣) |
واقْتَصَرَ الجوْهَرِيُّ على اللُّغةِ الثانيةِ فقال : الرَّحِمُ : رَحِمُ الْأُنْثَى ، وهي مُؤَنَّثةٌ.
قالَ ابنُ بَرِّي : شاهِدُ تأْنِيثِ الرَّحِم قوْلُهم : الرَّحِمُ مَعْقومةٌ ، وقولُ ابنِ الرِّقاعِ :
حَرْف تَشَذَّرَ عن رَيَّانَ مُنْغَمِسٍ |
|
مُسْتَحْقَبٍ رَزَأَتْهُ رِحْمُها الجَمَلا (٤) |
قلْتُ : وفيه أَيْضاً شاهِدٌ على كَسْرِ الراءِ مِن رحم.
ومِن المجازِ : الرَّحِمُ : القَرابَةُ تَجْمَعُ بَنِي أَب. وبَيْنهما رَحِمٌ أَي قَرابَةٌ قَريبةٌ ، كذا في التَّهْذِيبِ.
قالَ الجوْهَرِيُّ : والرِّحْمُ بالكسْرِ مِثْلُه ، وأَنْشَدَ الأَعْشَى :
أَمَّا لِطالِبِ نِعْمة يَمَّمْتَها |
|
ووِصالَ رِحْمٍ قد بَرَدْتَ بِلالَها (٥) |
قالَ ابنُ بَرِّي : ومِثْلُه لقَيْل بنِ عَمْرِو بنِ الهُجَيْم :
وذي نَسَب ناءٍ بعيدٍ وَصَلْتُه |
|
وذي رَحِمٍ بَلَّلْتُها بِبِلالِها (٦) |
قالَ : وبهذا البَيْتِ سُمِّي بُلَيْلاً ؛ وأَنْشَدَ ابنُ سِيْدَه :
خُذُوا حِذْرَكُم يا آلَ عِكرِمَ واذْكروا |
|
أَواصِرَنا والرِّحْمُ بالغَيْب تُذْكَرُ |
وذَهَبَ سِيْبَوَيْه إلى أَنَّ هذا مُطَّردٌ في كلِّ ما كانَ ثانِيه مِن حُرُوفِ الحَلْقِ.
أَو الرَّحِمُ أَصْلُها وأَسْبابُها (٧) ، ونَصُّ المُحْكَمِ : والرَّحِمُ : أَسْبابُ القَرابَةِ ، وأَصْلُها الرَّحِمُ التي هي مَنْبِتُ الوَلَدِ ، وهي الرِّحْمُ.
فقوْلُه : وأَصْلُها ليسَ مِن تفْسيرِ الرّحم كما زَعَمَه المصنِّفُ فتأَمَّلْ ذلِكَ بدِقَّةٍ تَجِده. ويدلُّ لذلِكَ أَيْضاً نَصُّ الأساسِ : هي عَلاقَةُ القَرابَةِ وسَبَبُها ، انتَهَى.
وقالوا : جَزاكَ اللهُ خَيْراً والرَّحِمُ والرَّحِمَ ؛ وبالرفْعِ والنَّصْب ، وجَزاكَ شَرّاً والقَطِيعةَ ، بالنَّصْبِ لا غَيْر.
وفي الحدِيْث : «إِنَّ الرَّحِمَ شِجْنَةٌ مُعَلَّقةٌ بالعَرْشِ تقولُ : اللهمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَني واقْطَعْ مَن قَطَعَني».
وفي الحدِيْث القدْسِيّ : «قالَ اللهُ تعالَى لمَّا خَلَقَ الرَّحِمَ : أَنَا الرَّحْمن وأَنْتَ الرَّحِمُ شَقَقْت اسْمَك مِن اسْمِي فمَنْ وَصَلَكَ وَصَلْته ومَنْ قَطَعَك قَطَعْته» ؛ ويُرْوَى : بَتَتْه ، وقد تقدَّمَ.
__________________
(١) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : مع كونها لا يصح مع كونها لحناً أو غير فصيحة لا يصح».
(٢) البقرة الآية ١٠٥.
(٣) ديوان عبيد بن الأبرص ط بيروت ص ٢٦ برواية :
أعاقر مثل ذات رحمٍ |
|
أم غانم مثل من يخيبُ |
والمثبت كرواية اللسان.
(٤) اللسان.
(٥) ديوانه ط بيروت ص ١٥٣ برواية :
أُمّاً لصاحب نعمة طرحتها ... |
|
قد نضحت بلالها |
والمثبت كرواية اللسان والصحاح.
(٦) اللسان.
(٧) على هامش القاموس : صريحة أن أصل القرابة معنى الرحم.