وقالَ ابنُ بَرِّي فأَمَّا قوْلُهم : طابَ حَمِيمُكَ فقد يعنى به الاسْتِحْمامُ ، وهو مَذْهَبُ أَبي عُبَيْدٍ ، وقد يُعْنى به العَرَقُ أَي طابَ عَرَقُكَ ، وإذا دُعِيَ له بطيبِ عَرَقِه فقد دُعِيَ له بالصِّحةِ لأنَّ الصَّحيحَ يطيبُ عَرَقُه.
وفي الأساسِ : ويقالُ للمُسْتَحِمِّ : طابَتْ حِمَّتُكَ وحَمِيمُك ، وإنَّما يطيبُ العَرَقُ على المُعَافَى ، ويَخْبُثُ على المُبْتلَى ، فمَعْناهُ أَصحَّ اللهُ جِسْمَك ، وهو مِن بابِ الكِنايَةِ.
وإذا عَرَفْتَ ما ذَكَرْنا ظَهَرَ لك أنَّ ما نَقَلَه شيْخُنا ووَجْهه غيرُ مُناسِبٍ ونَصّه قلْت : صَرَّحُوا بأنَّه مِن لازم طيب الحَمَّامِ طيب العَرَقِ فالدُّعاءُ به دُعاءٌ بذلِكَ فما وَجْه المَنْع ، انتَهَى.
قلْتُ : وقد يوجدُ طيبُ الحَمَّامِ ولا يوجدُ طيبُ العَرَقِ فيمَا إذا دَخَلَه المُبْتلَى ، فهذا هو وَجْه المَنْعِ ، فلا يكونُ الدُّعاءُ بطيبِ الحَمَّامِ دُعاءٌ بطيبِ العَرَقِ ، لأنَّه لا دخْل له في ذلِكَ.
ثم قالَ : وإنِ اسْتَحْسَنه البدْرُ القرافيّ شارِحُ الخُطْبة وادَّعَاه لَطِيْفة ووَجْهه بأنَّه رُبَّما يقالُ بكسْر الحاءِ وهو المَوْتُ ، فَيَنْقلبُ الدُّعاءُ عليه.
قالَ شيْخُنا : قلْتُ : وهو مِن البُعدِ بمكانٍ لو صحَّ هذا التَّحْريفُ لكانَ دُعاء له أَيْضاً ، فتأَمَّل واللهُ أَعلَم.
قلْتُ : وهذا غَرِيبٌ مِن البدْرِ القَرافيّ مع علوِّ مَنْزِلَتِه في العِلْم كيفَ يوجه من عقْلِه ما يُخالفُ قولَ الأئِمَّةِ؟ وهل لمِثْلِ هذه القِياسَات الباطِلَة مجالٌ في عِلْم اللُّغةِ. وعَجِيبٌ مِن شيْخِنا ، رحمهالله ، كيفَ يَشْتغلُ بالردِّ على مِثْلِ هذا الكَلامِ واللهُ يَغْفرُ لنا ويُسامحُنا أَجْمَعِيْن.
وأَبو الحَسَنِ عليُّ بنُ أَحْمدَ بنِ عُمَرَ الحَمَّامِيُّ : مُقْرِىءُ العِراقِ ، أَخَذَ عن ابنِ السَّمَّامِ وابنِ النَّجَّارِ (١) ، وعنه أَبو بكْرٍ البَيْهقيُّ والخَطِيبُ ، تُوفي سَنَة أَربَعمائة وسَبْعة عشر (٢) ببَغْدادَ ودُفِنَ عنْدَ الإمامِ أَحْمدَ.
وذاتُ الحَمَّامِ : ة بينَ الإِسْكَندَرِيَّةِ وإفْرِيقِيَّةَ على طَريقِ حاجِّ المغْربِ. وقالَ نَصْرُ : بَلَدٌ بينَ مِصْرَ والقَيْروَان وهو إلى الغَرب أَقْرَبُ.
والحَمَّةُ : كُلُّ عَيْنٍ فيها ماءٌ حارُّ يَنْبَعُ يُسْتَشْفَى بالغَسْلِ منه.
وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ : هي عُيَيْنَةٌ حارَّةٌ تَنْبَعُ مِن الأَرضِ تَسْتَشْفِي (٣) بها الأعِلَّاءُ والمَرْضَى.
وفي الحَدِيْث : «مَثَلُ العالِمٍ مَثَلُ الحَمَّةِ تأْتِيها البُعَداءُ وتَتْركُها القُرَباءُ ، فبَيْنا هي كَذلِكَ إذ غارَ ماؤُها وقد انْتَفَعَ بها قوْمٌ وبَقيَ أَقْوامُ يَتَفَكَّنونَ» أَي يَتَنَدَّمُون.
وفي حَدِيْث الدَّجَّال : «أَخْبروني عن حَمَّةِ زُغَرَ» أَي عَيْنها ، وزُغَرُ ، كصُرَدٍ : مَوْضِعُ بالشأمِ.
والحَمَّةُ : واحِدَةُ الحَمِّ لمَا أَذَبْتَ إهالَتَهُ مِن الأَلْيَةِ إذا لم يَبْق فيه وَدَكٌ ، عن الأصْمَعيِّ ، قالَ : وما أَذَبْتَ مِن الشَّحْمِ فهو الصُّهارَةُ والجَميلُ.
وقالَ غيرُه : الحَمُّ ما اصْطَهَرْتَ إهالَتَهُ مِن الأَلْيَةِ والشَّحْمِ ، واحِدَتُه حَمَّةٌ ، قالَ الراجزُ :
يُهَمُّ فيه القومُ هَمَّ الحَمِّ
أَو هو ما يَبْقَى مِن الإهالَةِ ، أَي الشَّحْمِ المُذابِ ، قالَ :
كأَنَّما أَصْواتُها في المَعْزاءِ |
|
صوتُ نَشِيشِ الحَمِّ عند القَلَّاء (٤) |
قالَ الأزْهَرِيُّ : والصَّحيحُ ما قالَ الأصْمعيُّ ، قالَ : وسَمِعْتُ العَرَبَ تقولُ لما أُذِيْب مِن سَنَامِ البَعيرِ حَمّ ، وكانوا يسمُّونَ السَّنامَ الشَّحْمَ.
وقالَ الجوْهَرِيُّ : الحَمُّ ما بَقيَ مِن الأَلْيَةِ بعد الذَّوْبِ ، وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابيِّ :
وجارُ ابن مَزْروعٍ كُعَيْبٍ لَبُونُه |
|
مُجَنَّبَةٌ تُطْلَى بحَمٍّ ضُروعُها (٥) |
يقولُ : تُطْلَى بحَمٍّ لئلَّا يَرْضعُها الرَّاعِي مِن بخْلِه.
والحَمَّةُ : وادٍ باليَمامَةِ.
__________________
(١) في اللباب : ابن النجّاد.
(٢) اللباب : توفي حدود سنة عشرين وأربعمئة.
(٣) في القاموس : يستشفي.
(٤) اللسان.
(٥) اللسان.