وأَمَّا قوْلُ لَبيدٍ :
أَحْكَمَ الجِنْثِيُّ من عَوْراتِها |
|
كلَّ حِرْباءٍ إذا أُكْرِهَ صَلّ (١) |
فقيلَ : المعْنَى رَدّ الجِنْثِيِّ وهو السَّيْفُ عن عَوْراتِ الدِّرْعِ وهي فُرَجُها كلَّ حِرْباءٍ ، وقيلَ : المَعْنَى أَحْرَزَ الجِنْثِيُّ وهو الزَّرَّادُ مَسامِيرُها ، ومعْنَى الإحْكامِ حيْنَئِذٍ الإِحْرازُ.
فَحَكَمَ أَي رَجَعَ ، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ.
قالَ الأَزْهَرِيُّ جَعَلَ ابنُ الأعْرَابيِّ حَكَمَ لازِماً كما تَرَى ، كما يقالُ رَجَعْتُه فَرَجَعَ ونَفَضْتُه فنَفَضَ (٢) ، وما سَمِعْت حَكَمَ بمعْنَى رَجَعَ لغيرِهِ وهو الثِّقةُ المأْمُون.
وأَحْكَمَهُ : مَنَعَه ممَّا يُريدُ ، كحَكَمَه حكماً ، وحَكَّمَهُ تَحْكِيماً ، لُغاتٌ ثلاثٌ اقْتَصَرَ الجوْهَرِيُّ على الأَخيرَةِ.
قالَ الأَزْهَرِيُّ : ورَوَيْنا عن إبْراهيم النّخعيّ أنَّه قالَ : حَكِّمِ اليَتِيمَ كما تُحَكِّمُ وَلَدَك ، أَي امْنَعْه مِن الفَسادِ وأَصْلِحه كما تُصْلح وَلَدَك وكما تَمْنَعه مِن الفَسادِ ، قالَ : وكلُّ مَن مَنَعْته مِن شيءٍ فقد حَكَّمْتَه ، وأَحْكَمْتَه قالَ : ونَرى أَنَّ حَكَمَة الدَّابَّةِ سُمِّيَت بهذا المعْنَى لأَنَّها تمْنَعُ الدابَّةَ مِن كَثيرٍ مِن الجَهْلِ.
ورَوَى شَمِرٌ عن أَبي سعيدٍ الضَّرير أَنَّه قالَ في قولِ النّخعي المَذْكُور : إنَّ مَعْناه حَكِّمْهُ في مالِهِ ومِلْكِه إذا صَلُح كما تُحَكِّمُ وَلَدَك في مِلْكِه ، ولا يكونُ حَكَّمَ بمعْنَى أَحْكَمَ لأنَّهما ضِدَّان.
قالَ الأزْهَرِيُّ : وقوْلُ أَبي سعيدٍ الضَّرير ليسَ بالمُرْضِي.
وفي حَدِيْث ابنِ عَبَّاسٍ : «كان الرجُلُ يَرِثُ امْرأَةً ذاتَ قَرابَةٍ فيَعْضُلُها حتى تَموتَ أَو تَرُدَّ إليه صَداقَها ، فأَحْكَمَ اللهُ عن ذلِكَ ونَهَى عنه» أَي مَنَعَ منه.
وأَحْكَمَ الفَرَسَ : جَعَلَ ، للِجامِه حَكَمَةً ، كحَكَمَهُ حكْماً.
والحَكَمَةُ ، محرَّكةً : ما أَحاطَ بحَنَكَي الفَرَسِ.
وفي الصِّحاحِ : حَكَمَةُ اللِّجامِ : ما أَحاطَ بالحَنَكِ من لِجامِه وفيها العِذارانِ ، سُمِّيَت بذلِكَ لأنَّها تَمْنَعُه عن الجَرْيِ الشَّديدِ ، والجَمْعُ حَكَمٌ.
وقالَ ابنُ شُمَيْل : الحَكَمَةُ حَلْقَةٌ تكونُ في فمِ الفَرَسِ.
قالَ الجوْهَرِيُّ : وكانتِ العَرَبُ تَتَّخِذُها من القِدِّ والأَبَقِ لأنَّ قصدَهُم الشَّجاعةُ لا الزِّينَة ، وأَنْشَدَ لزُهَيْرٍ :
القائِدُ الخَيْلَ مَنْكوباً دَوابرُها |
|
قد أُحْكِمَتْ حَكَماتِ القِدِّ الأَبَقا (٣) |
قالَ : يُريدُ قد أُحْكِمَتْ بحَكَماتِ القِدِّ وبحَكَماتِ الأَبَقِ ، فحذَفَ الحَكَمات وأَقامَ الأَبَقَ مَكانها ، ويُرْوى :
مَحْكومَةً حَكَماتِ القِدِّ والأَبَقا (٤)
على اللُّغتينِ جَمِيعا ، انتَهَى.
قالَ أَبو الحَسَنِ : عَدّى أُحْكِمَتْ لأنَّ فيه معْنَى قُلِّدَتْ وقُلِّدَتْ مُتَعدِّيةٌ إلى مَفْعولَيْن.
وقالَ الأَزْهَرِيُّ : وفَرَسٌ مَحْكومةٌ في رأسِها حَكَمَةٌ ، وأَنْشَدَ :
مَحْكومَةً حَكَماتِ القِدِّ والأَبَقا
وقد رَوَاه غيرُه : قد أُحْكِمَتْ ، وهذا يدلُّ على جوازِ حَكَمْتُ الفَرَسَ وأَحْكَمْتُه بمعْنًى واحِدٍ.
ومِن المجازِ : الحَكَمَةُ مِن الإِنْسانِ : مُقَدَّمُ وَجْهِه ، وقيلَ أَسْفَل وَجْهِه ، مُسْتعارٌ مِن مَوْضِع حَكَمَةِ اللّجامِ.
ومِن المجازِ : حَكَمَهُ الإنْسانِ : رَأْسُه وشأْنُه وأَمْرُه : يقالُ : رَفَعَ اللهُ حَكَمَتَهُ أَي رَأْسَه وشأْنَه وأَمْرَه ، وهو كِنايَةٌ عن الإِعْزازِ لأنَّ مِن صفَةِ الذَّليلِ أَن ينكسَ رَأْسَه.
والحَكَمَةُ من الضَّائِنةِ : دقنُها.
وفي الصِّحاحِ : حَكَمَةُ الشاةِ : ذَقَنُها.
والحَكَمَةُ : القَدْرُ والمَنْزِلَةُ ، ومنه حَدِيْث عُمَر : «إنَّ العَبْدَ إذا تواضَعَ رَفَعَ اللهُ حَكَمَتَهُ» ، أَي قَدْرَهُ ومَنْزِلَتَهُ ، ويقالُ : له عنْدَنا حَكَمَةٌ أَي قدْرٌ ، وفلانٌ عالي الحَكَمَةِ ، وهو مجازٌ.
__________________
(١) ديوانه ط بيروت ص ١٤٦ واللسان والتهذيب.
(٢) في التهذيب واللسان : ونقصته فنقص.
(٣) ديوانه ط بيروت ص ٤١ واللسان والصحاح وعجزه في التهذيب والأساس.
(٤) وهي رواية في التهذيب واللسان.