قالَ ابنُ سِيْدَه : ومنه قوْلُه تعالَى : مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي (وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) (١) وقالَ اللَّيْثُ : مَثَلُها هو الخبرُ عنها.
وقالَ أَبو إسحْق : معْنَاه صِفَة الجَنَّة.
قالَ عُمَرُ بنُ أَبي خليفَةَ : سَمِعْت مُقاتِلاً صاحِبَ التفْسِير يسأَلُ أَبا عَمْرو بن العَلاءِ عن هذه الآيةِ فقالَ : ما مَثَلُها؟ فقالَ فيها : (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) قالَ : ما مَثَلُها؟ فسكَتَ أَبو عَمْرو ، قالَ : فسأَلْتُ يونس عنها فقالَ : مَثَلُها صِفَتُها.
قالَ محمدُ بنُ سلام : ومَثَل ذلِكَ قوْلُه : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) (٢) أَي صِفَتُهم.
قال الأَزْهرِيُّ : ونحوُ ذلِك رُوِي عن ابنِ عَبَّاسٍ ، وأَمَّا جَوابُ أَبي عَمْرو لمُقاتِل حينَ سأَلَه : ما مَثَلُها فقالَ ؛ (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) ، ثم تكْرِيرُه السُّؤالَ : ما مَثَلُها وسكُوت أَبي عَمْرو عنه ، فإنَّ أَبا عَمْرو أَجابَهُ جَواباً مُقْنِعاً ، ولمَّا رَأَى نَبْوةَ فَهْمِ مُقاتِل سَكَتَ عنه لما وَقَفَ مِن غلَظِ فَهْمِه ، وذلِكَ أَنَّ قوْلَه تعالَى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ) تفْسِيرٌ لقوْلِه تعالَى : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (٣) وَصَفَ تلْكَ الجنَّاتِ فقالَ : مَثَلُ الجنَّة التي وصفْتُها ، وذلِكَ مِثْل قوْلِه : (مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) ، أَي ذلِكَ صِفَةُ محمدٍ ، صلَّى اللهُ تعالَى عليه وسلَّم ، وأَصْحابه في التَّورَاة ؛ ثم أَعْلَمهم أَنَّ صفَتَهم في الإِنْجِيلِ (كَزَرْعٍ).
وقالَ الأزْهَرِيُّ : وللنَّحويِّين في قوْلِه تعالَى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) قولٌ آخَرَ قالَهُ محمدُ بنُ يَزِيد المبرِّدُ في كتابِ المقُتَضب ، قالَ : التَّقديرُ فيما يُتْلَى عليكم : مَثَلُ الجنَّة ثم فيها وفيها ، قالَ ومَنْ قالَ إنَّ معْناه صِفَةُ الجنَّةِ فقد أَخْطأَ لأَنَّ مَثَل لا يُوضَعُ في مَوْضعِ صِفَةٍ ، إنَّما يقالُ : صِفَةُ زَيْدٍ إنَّه ظَرِيفٌ وإنَّه عاقِلٌ. ويقالُ : مَثَلُ : زيدٍ مَثَلُ فلانٍ ، إنَّما المَثَلَ مأْخوذٌ مِن المِثَالِ والحَذْوِ ، والصِّفةُ تحْلية ونَعْتٌ انتَهَى.
قلْتُ : ومثْلُ ذلِكَ لأبي عليِّ الفارِسِيِّ فإنَّه قالَ : تفْسِيرُ المَثَلِ بالصِّفَةِ غيرُ مَعْروفٍ في كَلَامِ العَرَبِ ، إنَّما معْناه التَّمْثِيل.
قالَ شيْخُنا : ويمكنُ أَنْ يكونَ إطْلاقه عليها مِن قَبيلِ المجازِ لعَلاقَةِ الغَرَابَةِ.
وامْتَثَلَ عندَهُم مَثَلاً حَسَناً ؛ وكذا امْتَثَلَهم مَثَلاً حَسَناً وتَمَثَّلَ أَي أَنْشَدَ بَيْتَاً ، ثم آخَرَ ، ثم آخَرَ ، وهي الأُمْثُولَةُ بالضمِ.
وتَمَثَّلَ بالشَّيءِ : ضَرَبَهُ مَثَلاً ؛ يقالُ : هذا البَيْتُ مَثَل يَتَمَثَّله ويَتَمَثَّل به.
والمِثَالُ ، بالكسرِ : المِقدارُ وهو مِن الشِّبْه ، والمِثْل : ما جُعِلَ مثالاً ، أي مقداراً لغَيْرِه ، يُحْذَى عليه ، والجَمْعُ أَمْثِلَةٌ ومُثُلٌ ، ومنه أَمْثِلةُ الأفْعالِ والأسْماءِ في بابِ التَّصْرِيفِ.
وقالَ أَبو زَيْدٍ : المِثالُ القِصَاصُ وهو اسمٌ مِن أَمْثَلَه إِمْثالاً ، كالقِصَاص اسمٌ مِن أَقصَّه إِقْصاصاً.
والمِثالُ : صِفَةُ الشَّيءِ ، وأَيْضاً : الفِرَاشُ ، ومنه حدِيّث عبْد اللهِ بن أَبي نهيك : أَنّه دَخَلَ على سعْدٍ ، رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه ، وعنْدَه مِثالٌ رَثَّ أَي فِراشٌ خَلَقَ ، وفي حدِيْثٍ آخَر : «فاشْتَرَى لكلِّ واحِدٍ منهم مِثالَيْن» ، قالَ جريرُ : قلْتُ للمُغِيرْة : ما مِثَالان؟ قالَ : نَمَطان ، والنَّمَطُ ما يُفْترشُ مِن مَفارِش الصُّوف الملوَّنَةِ ؛ قالَ الأَعْشَى :
بكلِّ طُوَالِ السَّاعِدَيْنِ كأَنَّما |
|
يَرَى بِسُرَى الليلِ المِثالَ المُمَهَّدا (٤) |
ج أَمْثِلَةٌ ومُثُلٌ ، بضمَّتَيْن ، وإِن شئْت خَفَّفْت.
وتَماثَلَ العليلُ : قارَبَ البُرْءَ فصَارَ أَشْبَهَ بالصَّحيحِ مِن العَليلِ المَنْهوكِ ، وقيلَ : هو مِن المُثولِ وهو الانْتِصابُ كأَنَّه هَمَّ بالنُهوضِ والانْتِصابِ.
وفي الصِّحاحِ تَماثَلَ مِن عِلَّتِه أَي أَقْبَلَ.
والأَمْثَلُ : الأَفْضَلُ ؛ يقالُ هو أَمْثل قوْمِه أَي أَفْضَلهم.
وقالَ أَبو إِسْحق : الأَمْثَلُ ذو العَقْلِ (٥) الذي يَسْتحقُّ أَنْ يقالَ : هو أَمْثَلُ بَنِي فلانٍ. وفي الحدِيْث : «أَشَدُّ الناسِ بَلاءً
__________________
(١) الرعد الآية ٣٥.
(٢) الفتح الآية ٢٩.
(٣) الحج الآية ١٤.
(٤) اللسان والتهذيب.
(٥) اللسان : ذو الفضل.