التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) (١) وقالَ : (غافِرِ الذَّنْبِ ، وَقابِلِ التَّوْبِ) (٢).
وقيلَ : التَّقبُّلُ : قَبُول الشيءِ على وَجْهٍ يَقْتضِي ثَواباً كالهَدِيَّة.
وقوْلُه تعالَى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٣) تَنْبيه أَنَّه ليسَ كلّ عِبادَةٍ مُتَقبَّلةٍ بل إذا كانَتْ على وَجْهٍ مَخْصوصٍ.
وقولُه تعالَى : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) (٤) ، قيلَ : معْناه قَبِلَها ، وقيلَ : تَكَفَّلَ بها ، وإنَّما قالَ بقَبُول ، ولم يَقُل بتَقَبُّل للجَمْع بينَ الأَمْرَيْن التَّقبُّلُ الذي هو التَّرقِّي في القَبُول ، والقَبُول الذي يَقْتَضِي الرِّضا والإثابَةَ.
والقَبُولُ ، كصَبُورٍ : رِيحُ الصَّبا لأَنَّها تُقابِلُ الدَّبورَ ، أَو لأَنَّها تُقابِلُ بابَ الكعبةِ وتَسْتدبِرُ الدَّبورَ.
وفي التَّهذِيبِ : القَبُولُ مِن الرَّياحِ : الصَّبا لأنَّها تَسْتَقْبلُ الدَّبورَ.
وقالَ الأَصْمَعيُّ : الرِّياحُ مُعْظَمُها الأَرْبَع الجَنُوب والشَّمال والدَّبُور والصَّبا ، فالدَّبُورُ التي تهُبُّ مِن دُبُر الكَعْبةِ ، والقَبُولُ مِن تِلْقائِها وهي الصَّبا ؛ قالَ الأَخْطَلُ :
فإن تَبْخَل سَدُوسُ بدِرْهَمَيها |
|
فإنَّ الرِّيحَ طَيِّبة قَبُول(٥) |
وقالَ ثَعْلَبُ : القَبُولُ ما اسْتَقْبَلَك بينَ يَدَيك إذا وَقَفْت في القِبْلَةِ ؛ أَو لأَنَّ النَّفْسَ تَقْبَلُها ، عن ثَعْلَب.
وهذا الوَجْهُ الأَخِيرُ مِن التَّعْليلاتِ ذَكَرَه الآمدِيُّ في المَوازَنةِ مع غيرِهِ ، قالَ : وأَظنُّ أَنَّ الأَخْطلَ إنْ كانت الرِّوايَةُ صَحِيحةً لذلِكَ قالَ : فإنْ تَبْخَل الخ ، أَي طَيِّبة لا يَمْنَعُها الانْصِرافُ والمَسِيرُ انتَهَى.
وقالَ ابنُ الأعْرَابيِّ : القَبُولُ كلُّ رِيحٍ طَيِّبة المَسِّ لَيِّنَة لا أَذًى فيها.
قالَ الآمدِيُّ : يمكنُ أَنَّ إطْلاقَهم القَبُول على كلِّ رِيحٍ لَيِّنَة المَسِّ على التَّشْبيهِ ، كزَيْدٍ أَسَدٌ ، لا على أَنَّ كلَّ رِيحٍ طَيِّبة تُسَمَّى قبُولاً.
ثم قالَ : وعن النَّضْر : أن : القَبُول رِيحٌ تَلي الصَّبا ، ما بَيْنها وبينَ الجَنُوب ، قالَ : وهو لا يُعْرَفُ ولا يُعَوَّلُ عليه.
قالَ : وعن قَوْم تَسْمِيَة الشَّمال قَبُولاً وليسَ بثْبتٍ ولا مُعَوَّل عليه إلَّا أَنْ يُحْمَلَ على ما ذَكَرْته مِنَ التَّشْبيهِ.
وذكرَ مِن وُجُوه التَّسْمِيةِ أَنَّها سُمِّيت قَبُولاً لأَنَّها تأْتي مِنَ المَوْضِعِ الذي يقبلُ منه النَّهارُ وهو مَطْلعُ الشمْسِ.
قالَ شيْخُنا : وقد سَبَقَ في «جنب» عن المبرِّدِ في الكامِلِ : القَبُولُ الصَّبا ، بعضُهم يَجْعَلُه للجَنُوب ، فتأمَّلْ ، انتَهَى.
وهي تكونُ اسْماً وصِفَةً عندَ سِيْبَوَيْه ، والجَمْعُ قَبائِلُ ، عن اللّحْيانيّ.
وقد قَبَلَتِ الرِّيحُ ، كنَصَرَ ، تَقْبُلُ قَبْلاً ، وهذا عن اللّحْيانيِّ ، وقُبُولاً ، بالضَّمِّ ، مَصْدَر ، والفَتْح اسْمٌ.
قالَ شيْخُنا : الضمُّ هو المَصْدَرُ المَشْهور ، والفتح : اسْمٌ للرِّيحِ ، وسَبَقَ اسْتِعْمَالُ أَسْماءِ الرِّياحِ أحْياناً أَسْماء ، وأَحْياناً مَصادِرَ. وكَلامُ المصنِّفِ صَريحٌ في أنَّه يقالُ بالضمِّ والفتْحِ مَصْدراً وليسَ كَذلِكَ.
قلْتُ : وهذا ظاهِرٌ وقد صَرَّحَ به الجَوْهَرِيُّ وغيرُهُ.
والقَبَلُ ، محرَّكةً : نَشَزٌ من الأَرْضِ يَسْتَقْبِلُكَ ، أَو مِنَ الجَبَلِ. يقالُ : رأَيْتُ فلاناً بذلِكَ القَبَلِ ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للجعْدِيِّ :
خَشْيةُ اللهِ وإِنّي رجل |
|
إنَّما ذِكْرِي كَنارٍ في قَبَلْ(٦) |
أَو رأْسُ كلِّ أَكَمَةٍ أَو جَبَلٍ.
أَو المُرْتَفعُ مِن أَصْلِ الجَبَلِ كالسَّنَدِ. يقالُ : انْزَلْ بقَبَلِ هذا الجَبَل أَي سَفْحه.
أَو مُجْتَمَعُ رمْلٍ أَو جَبَلٍ.
وقالَ أَبو عَمْرو : والقَبَلُ : المحَجَّةُ الوَاضِحَةُ.
__________________
(١) الشورى الآية ٢٥.
(٢) غافر الآية ٣.
(٣) المائدة الآية ٢٧.
(٤) آل عمران ٣٧.
(٥) اللسان ، وعجزه في الصحاح بدون نسبة.
(٦) التهذيب واللسان وعجزه في الصحاح وفيهما «بقبل» بدل في قبل».