جنْسٌ أَو نَوْعٌ ثلاثَة أَقْوالٍ ، فهي أَحَد (١) عَشَر قَوْلاً. ثم القائِلُونَ بالجَوْهريَّة أَو العَرضيَّة اخْتَلَفوا في اسْمِه على أَقْوالٍ أَعْدَلها قَوْلان ، فعلى أَنَّه عَرضٌ هو مَلَكَةٌ في النَفْسِ تُسْتَعَدُّ بها للعُلومِ والإدْرَاكاتِ وعلى أَنَّه جَوْهَر هو جَوْهَر لَطِيفٌ تُدْرَكُ به الغَائِباتُ بالوَسَائِطُ والمَحْسُوسَات بالمشاهَدَات خَلَقَه الله تعالَى في الدِّماغِ وجَعَل نورهُ في القَلْبِ ، نَقَله الأبْشيطي.
وقالَ ابنُ فَرْحون : العَقْلُ نورٌ يُقْذَفُ في القَلْبِ فيَسْتعدّ لإدْراكِ الأَشْياءِ ، وهو مِنَ العُلومِ الضَّرُورِيَّة ، ولهم كَلامٌ في العَقْل غَيْر ما ذَكَرْنا لم نُورِدْه هنا قَصْداً للاخْتِصارِ.
قالُوا : وابْتِداءُ وُجودِه عند اجْتِنانِ الوَلَدِ ثم لا يَزالُ يَنْمو ويَزيدُ إلى أن يَكْمُلَ عند البُلوغِ ، وقيلَ إلى أَنْ يبلغَ أَرْبَعِين سَنَة فحيْنئِذٍ يَسْتَكْمِل عَقْله كما صَرَّحَ به غيرُ واحِدٍ. وفي الحدِيثِ : «ما مِن نَبيٍّ إلَّا نُبئَ بعدَ الأَرْبَعِين» ، وهو يُشِير إلى ذلِكَ. وقَوْلُ ابن الجوزي إنَّه مَوْضوعٌ لأنَّ عيسَى نَبيٌّ ورُفِعَ وهو ابنُ ثلاثَ وثلاثِيْن سَنَة كما في حدِيثٍ ، فاشْتِراطُ الأَرْبَعِين ليسَ بشَرْطٍ مَرْدودٍ لكَوْنِه مُسْتنداً إلى زَعْمِ النَّصَارَى. والصَّحيحُ أَنَّه رُفِعَ وهو ابنُ مائَة وعِشْرِين ، وما وَرَدَ فيه غيرُ ذَلِكَ فلا يَصحُّ. وأَيْضاً كلُّ نَبيٍّ عاشَ نِصْف عُمْر الذي قَبْله ، وأَنَّ عيسَى عاشَ مائَةِ وعِشْرِيْن وَنَبِيَّنا ، صلىاللهعليهوآلهوسلم عاشَ نِصْفها كذا في تَذْكرة المَحْدولي.
ج عُقولٌ ، وقد عَقَلَ الرجُلُ يَعْقِل عَقْلاً ومَعْقولاً ، وهو مَصْدرٌ ، وقالَ سِيْبَوَيْه : هو صِفَةٌ ، وكانَ يقولُ إنَّ المَصْدَرَ لا يَأْتي على وَزْن مَفْعولٍ البَتَّة ويُتأَوَّلُ المَعْقُول فيقولُ : كأنَّه عُقِلَ له شيءٌ أَي حُبِسَ عليه عَقْلُه وأُيِّد وشُدِّدَ ، قالَ : ويُسْتَغْنَى بهذا عن المَفْعَل الذي يكونُ مَصْدراً ، كذا في الصِّحاحِ والعُبَابِ ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي :
فَقَدْ أَفادَتْ لَهُم حِلْماً ومَوْعِظَةً |
|
لِمَنْ يَكُون له إرْبٌ ومَعْقول(٢) |
ومن سَجَعاتِ : الأسَاسِ : ذَهَبَ طُولاً وعَدِم مَعْقولاً ، وما لفُلانٍ مَقول ولا مَعْقول ، وما فَعَلْته (٣) منْذُ عَقَلْتُ. وقيلَ : المَعْقولُ : ما تَعْقِلُه بقَلْبِك. وعَقَّلَ تَعقِيلاً ، شُدِّدَ للكَثْرةِ ، فهو عاقِلٌ من قومٍ عُقَلاءَ وعُقَّال ، كرُمَّانٍ.
قالَ ابنُ الأنْبارِيّ : رجُلٌ عَاقِلٌ وهو الجامِعُ لأمْرِه ورَأْيه ، مَأْخوذٌ من عَقَلْتُ البَعيرَ إذا جَمَعْتَ قَوَائِمَهُ ، وقيلَ ، هو الذي يَحْبِس نَفْسَه ويَرُدُّها عن هَوَاها.
وعَقَلَ الدَّواءُ بَطْنَه يَعْقِلُه ويَعْقُلُه ، من حَدَّيْ ضَرَبَ وَنَصَرَ ، عَقْلاً : أَمْسَكَه ، وخَصَّ بعضُهم : بعْدَ اسْتِطْلاقِهِ.
قالَ ابنُ شُمَيْل : إذا اسْتَطْلَقَ بطنُ الإنْسانِ ثم اسْتَمْسَك فقد عَقَلَ بطنُه : وعَقَلَ الشيءَ يَعْقِلِهُ عَقْلاً : فَهِمَه فهو عَقولٌ ، يقالُ : لفُلانٍ قَلْبٌ عَقولٌ ، ولسانُ سَؤُول ، أَي فَهِمٌ.
وقالَ الزِّبْرِقان : أَحَبُّ صِبْيانِنا إلَيْنا الأَبْلَهُ العَقُول.
قالَ ابنُ الأثيرِ : هو الذي يُظَنُّ به الحُمْقُ فإذا فُتِّش وُجِد عاقِلاً ، والعَقُول فَعُولٌ منه للمُبالَغَةِ.
وعَقَلَ البعيرَ يَعْقِلُه عَقْلاً : شَدَّ وَظيفَه إلى ذِراعِه.
وفي الصِّحاحِ : قالَ الأَصْمَعِيُّ : عَقَلْت البَعيرَ أَعْقِلُه عَقْلاً : وهو أَنْ تُثْنِي وَظِيفه مع ذِراعِه فتَشدَّهما جَمِيعاً في وسطِ الذِّراعِ ، كعَقَّلَه تَعْقيلاً شُدِّدَ للكَثْرةِ ، كما في الصِّحاح.
وفي حدِيثِ عُمَرَ ، رضياللهعنه : أَنَّه قَدِمَ رجُلٌ من بعضِ الفُروجِ عليه فنَثَرَ كنانَتَه فسَقَطَتْ صَحِيفَة فإذا فيها أَبْياتٌ منه ، وهي من أَبيات أَبي المِنْهال بُقَيْلَة الأكْبر :
فما قُلُصٌ وُجِدْنَ مُعَقَّلاتٍ |
|
قَفا سَلْعٍ بمُخْتَلَفِ التِّجار |
يُعَقِّلُهنَّ جَعْدٌ شَيظَميٌّ |
|
وبِئْسَ مُعَقِّلُ الذَّوْدِ الظُّؤَارِ (٤) |
يعْنِي نساءً مُعَقَّلات لْأَزْواجِهِن كما تُعَقَّل النُّوقُ عنْدَ الضِّرَاب ، ويُرْوَى :
[يُعَقِّلُهُنَّ] * جَعْدَة من سُلَيْم |
|
معيداً يبتقي سَقْط العَذَارى |
__________________
(١) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله فهي أحد عشر قولاً ، هكذا في خطه ولعل الأولى عشرة أقوال فتأمل».
(٢) اللسان بدون نسبة.
(٣) في الأساس : وما فعلت كذا.
(٤) الأصل واللسان ، وانظر اللسان والتكملة مادة «أزر».
(*) زيادة عن اللسان.