وجَمِيعُ ما في القُرْآنِ من لفظِ بَلْ لا يَخْرُجُ من أحدِ هذين الوَجْهَين وإن دقَّ الكَلام في بعضِه انْتَهَى.
قلْتُ : ونَقَلَ الأَخْفَشُ عن بعضِهم أَنَّ بَلْ في قولِه (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) ، بمعنى إن فلذلِكَ صَارَ القَسَم عليها فتأمَّلْ.
ويُزادُ قَبْلَها لا لتَوْكِيدِ الإِضْرابِ بعدَ الايجابِ كقَوْلِه :
وجْهُكَ البَدْرُ لَا بَلِ الشمسُ لو لم
وفي بعضِ النسخِ : لوناً.
ولتَوْكيدِ تَقْريرِ ما قَبْلَها بعدَ النَّفْيِ كقولِه :
وما هَجَرْتُكِ لَا بَلْ زادَني شَغَفاً
وقالَ سِيْبَوَيْه : وربَّما وَضَعُوا بَلْ موضِعَ رُبَّ كقولِ الرَّاجِزِ :
بَلْ مَهْمَهٍ قَطَعْتُ بَعْدَ مَهْمَهٍ (١)
يعني رُبَّ مَهْمَهٍ. كما يوضَعُ الحرفُ موضِعَ غيرِه اتِّساعاً.
وقالَ الأَخْفشُ : وربَّما اسْتَعْمَلتِ العَرَبُ بَلْ في قطعِ كلامٍ واسْتِئْنافِ آخَرَ فيُنْشِدُ الرجُلُ منهم الشِّعْرَ فيقولُ في قولِ العَجَّاجِ :
بَلْ
ما هاجَ أَحْزاناً وشَجْواً قَدْ شَجا |
|
من طللٍ كالاتحمي أَنْهَجا (٢) |
ويُنْشد :
بل
وبَلْدَةٍ ما الأَنسُ في آلِها (٣)
قَوْلُه : بل ليسَ من المَشْطورِ ولا يُعَدُّ في وَزْنِه ولكن جُعِلَت علامَةٌ لانْقطاعِ ما قَبْله ، قالَ : وبَلْ نُقْصانه مَجْهولٌ ، وكذلِكَ هَلْ وقَدْ ، إنْ شئْتَ جَعَلْت نُقْصانَه واواً فقلْتَ بَلْوٌ وهَلْوٌ وقَدْوٌ ، وإنْ شئْتَ جَعَلْته ياءً ، ومنهم من يَجْعَلُ نقصانَ هذه الحُرُوف مِثْل آخرِ حُرُوفِها فيُدْغمُ فيقُولُ : بَلٌّ وهَلٌّ وقَدٌّ بالتَّشديدِ.
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه :
بنُو بَلَّالٍ : كشَدَّادٍ قَوْمٌ من ثمالَةَ كما في العُبَابِ. وقالَ الأميرُ : رَهطٌ من أَزَدِ السَّرَاةِ غَدَرُوا بعُرْوَة أَخي أَبي خِرَاشٍ فقَتَلُوه وأَخَذُوا مالَهَ وفي ذلِكَ يقُولُ أَبُو خِرَاشٍ :
لَعَنَ الإلَهُ ولا أُحَاشِي مَعْشَراً |
|
غَدَرُوا بعُرْوَةَ من بَنِي بَلَّالِ(٤) |
وقال الرشاطي : وفي مذْحَجٍ : بلال بن أَنَس بن سعد العَشِيْرةِ ، ومن ولْدِه عَبْدُ اللهِ بن ذِئَابِ بنِ الحارِثِ شَهِدَ صِفَّيْن مَعَ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ تعَالَى عنه. وكغُرَابٍ أَحْمدُ بنُ مُحمَّد بن بلال المرسيّ النَّحَويُّ ، كان في أَثْناءِ سَنَة سِتِّين وأَرْبَعُمائة شرَحَ غَرِيبَ المصنَّف لأَبي عُبَيْدٍ ذَكَرَه ابنُ الأَبَّارِ وأَبُو البَسَّامِ البَلَّاليّ حَكَى عنه أَبُو عَليّ القَالِي شِعْراً. وقالَ الفرَّاءُ : بَلَّتْ مَطِيَّتُه على وجْهِهِا إذا هَمَتْ ضالَّةً قالَ كُثَيِّرُ :
فليتَ قَلُوصِي عند عَزَّةَ قُيِّدَتْ |
|
بحَبْل ضَعِيفٍ غُرَّ منها فَضَلَّتِ |
وغُودِرَ في الحَيِّ المقيمينَ رَحْلُها |
|
وكان لها باغٍ سِوَاها فبَلَّتِ(٥) |
قالَ : والبَلَّة : الغِنَى ، وقالَ غيرُه : ريحٌ بَلَّةٌ : أي فيها بَلَلٌ. والبَلَلُ : الخصْبُ ، وقَوْلُهم : ما أَصَابَ هَلَّة ولا بَلَّة أَي شيئاً.
والبَلَلُ : محرَّكةً الشمالُ البَارِدَةُ عن ابنِ عَبَّادٍ. والبَلِيلَةُ : الرِّيحُ فيها نَدًى. والبَلِيلَةُ : الصِّحَّةُ وأَيْضاً حنْطَةٌ تَغْلي في الماءِ وتُؤْكَلُ.
وصَفَاةٌ بَلَّا ، أي مَلْسَاء.
وبلَّةُ الشَّيْءِ وبللته ثَمَرَته عن ابن عَبَّادٍ.
والبُلْبُولُ : كسُرْ سُورٍ طائِرٌ مائِيٌّ أَصْغَرُ من الأُوَزِّ وبُلَيْبل مصغَّراً من الأَعْلامِ.
__________________
(١) اللسان ، والرجز لرؤبة.
(٢) الأول في اللسان والصحاح.
(٣) اللسان والصحاح وبعده فيهما :
ترى بها العوهق من وئالها |
|
كالنار جرّت طرفي حبالها |
(٤) شرح أشعار الهذليين زيادات شعره ٣ / ١٣٤٣ والتكملة.
(٥) ديوانه ١ / ٤٥ واللسان والتكملة والصحاح والتهذيب باختلاف في بعض الألفاظ.