(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وارِدُها). قالَ : ومَوْضِعُ القَسَم مَرْدُودٌ إلى قَوْلِه (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ) (١) ، والعَرَبُ تُقْسِمُ وتُضْمِرُ المُقْسَم به. ومنه قَوْلُه تعالَى : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) (٢).
وأَعْطِه حُلَّانَ يَمينِه بالضمِ أي ما يُحَلِّلُها نَقَلَه ابنُ سِيْدَه ، وهي الكَفَّارَةُ ، قالَ : والمُحَلِّلُ كمُحَدِّثٍ من الخَيْلِ الفَرَسُ الثالِثُ في ـ وفي المُحْكَمِ : من ـ خَيْلِ الرِّهانِ ، وهو أَنْ يَضَعَ رَجُلانِ رَهْنَين ثم يَأْتي آخَرُ فيُرْسِلُ مَعَهما فَرَسَه بِلا رَهْنٍ إنْ سَبَقَ أَحَدُ الأَوَّلَيْن أَخَذَ رَهْنَيْهما وكان حَلالاً لأَجْلِ الثالِثِ وهو المُحَلِّلُ ، وإنْ سَبَقَ المُحَلِّلُ أَخَذَهُما ، وإنْ سُبِقَ فما عليه شيءٌ ، ولا يكونُ إلَّا فيمَنْ يُؤْمَن (٣) أَنْ يَسْبق ، وأَمَّا إنْ كانَ بَلِيداً بَطِيئاً قَدْ أُمِن أَنْ يَسْبِق فهو القِمَارُ ، ويُسَمَّى أَيْضاً الدَّخِيلُ.
والمُحَلِّلُ في النِكاحِ : مُتَزَوِّجُ المُطَلَّقَةِ ثلاثاً لِتَحِلَّ للزَّوْجِ الأَوَّلِ ، وفي الحدِيثِ : «لَعَنَ الله المُحَلِّلَ والمُحَلَّلَ له». وجاء في تفسِيرِه : أنَّه الذي يَتَزَوَّجُ المُطَلَّقَةَ ثلاثاً بشَرْطِ أَنْ يُطَلِّقَها بعْدَ وَطْئِها لتَحِلَّ للأَوَّلِ. وقد حَلَّ له امْرَأَتَه فهو حَالُّ وذَاكَ مَحْلُولٌ له إذا نَكَحَها لتَحِلَّ للزَّوْجِ الأَوَّلِ.
وضَرَبَهُ ضَرْباً تَحْليلاً أي كالتَّعْزِيزِ وقد سَبَقَ أَنَّه مُشْتَقُّ من تَحْليلِ اليَمين ثم أُجْرِي في سائِرِ الكَلامِ حتى قيلَ في وَصْفِ الإِبِلِ إذا بَرَكَتْ.
وحَلَّ العُقْدَةَ (٤) يَحُلُّها حَلٍّا نَقَضَها وفَكَّها وفَتَحَها ، هذا هو الأَصْلُ في مَعْنَى الحَلِّ كما أَشَارَ إِليه الرَّاغِبُ وغَيْرُه ، فانْحَلَّتْ انْفَتَحَتْ وانْفَكَّتْ.
وكلُّ جامِدٍ أُذيبَ فقد حُلَّ حَلٍّا كما في المُحْكَمِ ، ومنه (٥) قَوْلُ الفَرَزْدقِ :
فما حِلَّ من جَهْلٍ حُبَا حُلَمَائِنا |
|
ولا قائلُ المَعْرُوفِ فِيْنا يُعَنَّفُ (٦) |
أَرادَ حُلَّ بالضمِ فطَرَحَ (٧) كَسْرَةَ اللامِ على الحاءِ ؛ قالَ الأَخْفَشُ : سَمِعْنا من ينْشِدُه هكذا.
وحُلَّ المكانُ مَبْنِيَاً (٨) للمَفْعولِ أَي سُكِنَ ونُزِلَ به.
والمُحَلَّلُ كمُعَظَّمٍ الشيءُ اليَسيرُ قالَ امْرُؤُ القَيْسِ يَصِفُ جارِيَةً :
كبِكْرِ المُقاناةِ البَيَاض بصُفْرة |
|
غَذَاها نَمِير الماءِ غَيْر مُحَلَّلِ(٩) |
أَي غَذَاها غِذَاءً ، ليسَ بمُحَلَّل أَي ليسَ بيَسِيرٍ ولكنَّه مُبَالَغ فيه.
وكلُّ ماءٍ حَلَّتْهُ الإِبِلُ فَكَدَّرَتْهُ مُحَلَّلٌ ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ امْرُؤُ القَيْسِ أَرَادَ بقَوْلِه هذا المَعْنَى أَي غَيْر مَحْلول عليه أَي لم يَحل عليه فيُكَدَّرُ. وقيلَ : أَرَادَ ماءَ البَحْرِ لأَنَّ البَحْرَ لا يُنْزَل عليه لأَنَّ ماءَه زُعَاقٌ لا يُذَاقُ فهو غَيْرٌ مَحَلَّلٍ أَي غَيْر مَنْزولٍ عليه ، ومَنْ قالَ غَيْر قَلِيلٍ فليسَ بشيءٍ لأَنَّ ماءَ البَحْرِ لا يُوصَفُ بقِلَّةِ ولا كَثْرةٍ لمجاوِزَةِ حدِّه الوصْفَ. وفي العُبَابِ : عَنَى بالبِكْرِ دُرَّة غَيْر مَثْقُوبَةٍ.
وحَلَّ أَمْرُ الله عليه يَحِلَّ حُلولاً وجَبَ هو من حَدِّ ضَرَبَ ، وقيلَ إِذا قُلْت حَلَّ بهم العذابُ كانَتْ يَحُلُّ لا غَيْر ، وإِذا قُلْت عَليَّ أَو يَحِلُّ لَكَ فهو بالكسرِ ؛ ومن قَرَأَ يَحُلُّ عَلَيكُم غَضَبٌ من ربِّكُم (١٠) فَمَعْنَاهُ يَنْزِلُ. وفي العُبَابِ : حَلَّ العَذَابُ يَحِلُّ بالكسرِ أَي وَجَبَ ، ويَحُلُّ بالضمِ أَي نَزَلَ. وقَرَأَ الكِسائيُّ قَوْلَه تعالَى : فيَحُلُّ عَلَيكُم غَضَبي (١١) ، ومَنْ يَحْلُل بضمِ الحاءِ واللامِ والبَاقُون بكسرِها. وأَمَّا قَوْلُه تعالَى (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) (١٢) فبالضمِ أَي تَنْزِلُ. وفي المِصْباحِ : حَلَّ العَذابُ يَحِلُّ ويَحُلُّ حُلولاً هذه وحْدُها
__________________
(١) مريم الآية ٦٨.
(٢) النساء الآية ٧٢.
(٣) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : يؤمن الخ كذا بخطه وعبارة اللسان : لا يؤمن الخ وهي ظاهرة بدليل قوله : وأما إن كان الخ».
(٤) قبلها في القاموس : «وَحَلَّ عَدَا ، والعُقْدَةُ ..».
(٥) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : ومنه الخ انظر وجه كون هذا بمعنى الإذابة ، وعبارة الجوهري : وأما قول الفزردق الخ أراد حلّ الخ» في الصحاح : وأما قول الشاعر.
(٦) ديوانه ٢ / ٢٩ واللسان والصحاح.
(٧) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : فطرح كسرة اللام أي الأولى كما في الصحاح».
(٨) بالأصل : «مبيناً».
(٩) من معلقته ، ديوانه ص ٤٣ برواية : «غير المحلل» واللسان والصحاح.
(١٠) سورة طه الآية ٨٦.
(١١) سورة طه الآية ٨١.
(١٢) سورة الرعد الآية ٣١.