ثانِياً ، ولعَلَّه أَعادَه ثانِياً إِشارةً إِشارةً إِلى أَنّه لا يُقالُ : احْتَقَّ للواحِدِ ، كما لا يُقالِ : اخْتَصَم للواحِدِ دُونَ الآخَرِ ، وإِنَّما يُقال : احْتَقَّ فلانٌ وفُلانٌ.
واحْتَقَّ المالُ : سَمِنَ والَّذِي في اللِّسانِ والأَساسِ والعُبابِ : احْتَقَّ القَوْمُ احْتِقاقاً : إِذا سَمِنَ ما لُهُمْ ، وانْتَهَى سِمَنُه.
واحْتَقَّت به الطَّعْنَةُ أَي : قَتَلَتْهُ نَقَله أَبُو عَمْرٍو ، وفَسَّرَ به قولَ أَبِي كَبِيرٍ الهُذَلِيِّ :
هَلا وقَدْ شَرَعَ الأَسِنَّةَ نَحْوَها |
|
من بَيْنِ مُحْتَقٍّ بِها ومُشَرَّمِ (١) |
وقال الأَصْمَعِيُّ : أَي حَقَّتْ بِهِ الطَّعْنَةُ لا زَيْغَ فِيهَا ، وهو مَجازٌ ، وفي اللِّسانِ : المُحَقَّقُ من الطَّعْنِ : النافِذُ إِلى الجَوْفِ ، وقالَ في مَعنَى بيتِ أَبِي كَبِيرٍ : أَرادَ مِنْ بَيْنِ طَعْنٍ نافِذٍ في جَوْفِها ، وآخرَ قد شَرَمَ جِلْدَها ، ولم يَنْفُذْ إِلى الجَوْفِ.
أو احْتَقَّتْ به الطَّعْنةُ : إذا أَصابَتْ حُقَّ وَرِكِهِ وهو المَوْضِعُ الذي يَدُورُ فِيه ، قاله ابن حَبِيب.
أَو احْتَقَّ الفَرَسُ : ضَمُرَ هُزالاً.
وقالَ ابنُ عَبّادِ : انْحَقَّت العُقْدَةُ أَي : انْشَدَّتْ وهو مَجازٌ.
واسْتَحَقَّهُ أَي : الشيءَ : اسْتَوْجَبَه وقولُه تَعالَى : (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقّا إِثْماً) (٢) أَي : اسْتَوْجَباه بالخِيانَةِ ، وقِيلَ : معناه : فإِن اطُّلِعَ على أَنّهما اسْتَوْجَبا إِثْماً ، أَي : خِيانَةً (٣) باليَمِينِ الكاذِبَةِ التي أَقْدَما عليها ، وإِذا اشْتَرَى رجلٌ داراً من رَجُلٍ ، فادّعاها رجلٌ آخَرُ ، وأَقام بَيِّنَةً عادِلَةً على دَعْواه ، وحَكَم له الحاكِمُ ببَيِّنَتِه ، فقد اسْتَحَقَّها على المُشْتَرِي الذي اشْتَراها ، أَي : مَلَكَها عليه ، وأَخْرَجَها الحاكِمُ من يَدِ المُشْتَرِي إِلى يَدِ مَن اسْتَحَقَّها ، ورَجَعَ المُشْتَرِي على البائِعِ بالثَّمَنِ الذي أَدَّاه إِليه ، والاسْتِحقاقُ والاسْتِيجابُ قَرِيبانِ من السَّواءِ ، قال الصاغانِيُّ : وقولُ النّاسِ : «المُسْتَحِقُّ مَحْرُومٌ» ، فيه خَلَلانِ ، الأَوّلُ : أَنّها كلمةُ كُفْرٍ ؛ لأَنَّ من اسْتَحَقَّ شَيئاً أَعْطاهُ اللهُ ما يَسْتَحِقُّه ، والثانِي : أَنَّهُم يَجْعَلُونَه من الأَحادِيثِ ، وليسَ كَذلك.
وتَحقَّقَ عنده الخَبَرُ أَي : صَحَّ.
وفي حَدِيثِ مُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ الله بنِ الشِّخِّيرِ أَنَّه قالَ لابْنِه حِينَ اجْتَهَدَ فِي العِبادَةِ ولَمْ يَقْتَصِدْ : «خَيْرُ الأُمُورِ أَوْساطُها ، والحَسَنَةٌ بين السَّيِّئَتَيْن ، وشَرُّ السَّيْرِ الحَقْحَقَةُ» يُقال : هُوَ أَرْفَعُ السَّيْرِ ، وأَتْعَبُه للظَّهْرِ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ ، وهو إِشارَةٌ إِلى الرِّفْقِ في العِبادَةِ ، يَعْنِي عليكَ بالقَصْدِ في العِبادَةِ ، ولا تَحْمِلْ على نَفْسِك فتَسْأْمَ ، وخَيْرُ العَمَلِ ما دِيمَ وإِنْ قَلَّ ، أَو اللَّجاجُ في السَّيْرِ حتى يُنْقَطَعَ به ، قال رُؤْبَةٌ :
ولا يُرِيدُ الوِرْدَ إِلّا حَقْحَقَا
أَو هُوَ : السَّيْرُ في أَوَّلِ اللَّيْلِ ونُهِيَ عن ذلِكَ ، نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ ، وهو قولُ اللَّيْثِ ، ونَصُّه في العَيْنِ : الحَقْحَقَةُ : السَّيْرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ ، وقد نُهِيَ عنه ، قالَ : وقالَ بعضُهم : الحَقْحَقَةُ في السَّيْرِ : إِتعابُ ساعَةٍ ، وكَفُّ ساعَةٍ ، انتهى ، قال الأَزْهرِيُّ : ولم يُصِبِ اللَّيْثُ في واحدٍ مما قَسَّرَ ، وما قالَه ، إِنَّ الحَقْحَقَةَ : في السَّيْرِ (٤) أَوَّلَ اللَّيْلِ ، فهو باطِلٌ ، ما قاله أَحَدٌ ، ولكن يُقال : «قَحِّمُوا عن اللَّيْلِ» أَي : لا تَسِيرُوا فيه.
أَو هُو : أَنْ يَلِجَّ في السَّيْرِ حَتّى تَعْطَبُ راحِلَتُه أَو تَنْقَطِعَ هذَا هو الَّذِي صَوَّبَه الأَزْهَرِيُّ ، وأَيَّدَه بقولِ العَرَبِ ، ونَصُّه : أَنْ يُسارَ البَعِيرُ ، ويُحْمَلَ على ما يُتْعِبُه ، وما لا يُطِيقُه ، حتى يُبْدِعَ براكِبِه ، وقالَ ابنُ الأَعْرابِيِّ : الحَقْحَقَةُ : أَن يَجْهِدَ الضَّعِيفَ شِدَّةُ السَّيْرِ.
والتَّحاقُّ : التَّخاصُمُ ، وحاقَّهُ مُحاقَّةً : خاصَمَه وادَّعَى كُلُّ واحدٍ منهُما الحَقَّ ، فإِذا غَلَبَه قِيلَ : قد حَقَّهُ حَقًّا ، وقد ذُكِر ذلِك ، وأَكثرُ ما يَسْتَعْمِلُونَه في الفِعْلِ الغائِبِ ، يَقُولُونَ حاقَّنِي ولم يُحاقِّنِي فيه أَحَدٌ.
* ومما يُسْتَدْرَكُ عليهِ :
__________________
(١) ديوان الهذليين ٢ / ١١٥ برواية : «وهَلاً وقد شرع» والوهل : الفزع. وفي شرحه : المحتق : الذي قد أصيب فاحتق الرمية. وفي التهذيب برواية : «فمضت وقد شرع».
(٢) سورة المائدة الآية ١٠٧.
(٣) في التهذيب : أي جناية.
(٤) في التهذيب : إن الحقحقة سير أول الليل.