وحُقَّ لَها أَنْ تَفْعَلَ ، ومعنَى قَوْلِ من قالَ : حَقَّ عليكَ أَنْ تَفْعَلَ : وَجَبَ عليكَ ، وقالُوا : حَقٌّ أَنْ تَفْعَلَ ، وحَقِيقٌ أَنْ تَفْعَلَ ، وحَقِيقٌ ـ في حَقَّ وحُقَّ ـ : فَعِيلٌ بمَعْنَى مَفْعُول ، قالَ الشّاعِرُ :
قَصِّرْ فإِنَّكَ بالتَّقْصِيرِ مَحْقُوقُ (١)
يُقال للمَرْأَةِ : أَنْتِ حَقِيقَةٌ لذلِكَ ، يَجْعَلُونَه كالاسْمِ ، وأَنْتِ مَحْقُوقَةٌ لذلِكَ ، وأَنْتِ مَحْقُوقةٌ أَنْ تَفْعَلِي ذلِكَ ، وأَمّا قول الأَعْشَى :
وإِنَّ امْرَأً أَسْرَى إِليكِ ودُونَه |
|
من الأَرْضِ مَوْماةٌ ويَهْماءُ سَمْلَقُ (٢) |
لمَحْقُوقَةٌ أَنْ تَسْتَجِيبِي لَصوْتِه |
|
وأَنْ تَعْلَمِي أَنَّ المُعانَ مُوَقَّقُ |
فإِنَّه أَرادَ : لَخُلَّةٌ مَحْقُوقَةٌ ، يعنِي بالخُلَّةِ الخَلِيلَ ، ولا تَكُونُ الهاءُ في مَحْقُوقةٍ للمُبالَغةِ ، إِنّما هي في أَسماءِ الفاعِلِينَ دُونَ المَفْعُولِينَ ، ولا يَجُوزُ أَن يكونَ التقديرُ : لمَحْقُوقَة أَنْتِ ؛ لأَنَّ الصّفةَ إِذا جَرَتْ على غَيْرِ مَوْصُوفِها لم يكن عندَ أَبِي الحَسَنِ الأَخْفَشِ بُدٌّ من إِبرازِ الضَّمِيرِ ، وهذا كُلُّه تَعْلِيلُ الفارِسِيِّ.
وفي الأَساسِ : فإِن قُلْتَ : فما وَجْهُ قَوْلِهم : أَنْتَ حَقِيقٌ بأَنْ تَفْعَلَ ، وأَنْتَ مَحْقُوقٌ به ، وإِنَّكِ مَحْقُوقَةٌ بأَن تَفْعَلِي ، وحَقِيقَةٌ به ، وحُقِقْتَ بأَنْ تَفْعَلَ ، وحُقَّ لكَ أَنْ تَفْعَلَ.
قلتُ : أَما حَقِيقٌ فهو من حَقُقَ في التَّقْدِيرِ : كما قالَ سِيبَوَيه في فَقِيرٍ : إِنّه من فَقُرَ مُقَدَّراً ، وفي شَدِيدٍ : مِنْ شَدُدَ ، ونَظِيرُه خَلِيقٌ وجَدِيرٌ من خَلُقَ بكَذا ، وجَدُرَ بهِ ، ولا يَكُونُ فَعِيلاً بمعنى مَفْعولٍ ، وهو مَحْقُوقٌ ، لقولِهم : أَنتِ حَقِيقَةٌ بكذا ، وامْرَأَةٌ (٣) حَقِيقَةٌ بالحَضانَةِ ، وأَمّا حُقِقْتَ بأَنْ تَفْعَلَ ، وأَنْتَ مَحْقُوقٌ بهِ ، فبمعنَى : جُعِلْتَ حَقِيقاً به ، وهو من باب فَعَلْتُه ففَعَلَ ، كقَبُحَ وقَبَحَهُ الله ، وبَرَدَ الماءُ وبَرَدْتُه ، ويَجُوزُ كونُه من حَقَقْتُ الخَبَرَ ، أَي عُرفْتَ بذلِك ، وتُحُقِّقَ (٤) منك أَنَّكَ تَفْعَلُه بشهادَةِ أَحوالِكَ ، وأَمّا حُقَّ لكَ أَن تَفْعَلَ ، فمِنْ حَقَّ اللهُ الأَمْرَ ، أَي : جَعَلَه حَقًّا لَكَ أَنْ تَفْعَلَ ، أَو أَثْبَتَ لَكَ ذلِكَ ، انتهى ، وهو تَحْقِيقٌ نَفِيسٌ.
والحَقِيقَة : ما أُقِرَّ في الاسْتِعْمالِ على أَصْلِ وَضعِه.
وقِيلَ : هو اسمٌ لِما أُرِيدَ بهِ ما وُضِعَ له ، فَعِيلَةٌ من حَقَّ الشَّيءُ : إِذا ثَبَتَ ، بمَعْنَى فاعِلَة ، والتاءُ فيه للنَّقْلِ من الوَصْفِيَّة إِلى الاسميَّة ، كما في العَلّامةِ ، لا للتَّأْنِيثِ ، وقال بَعْضُهم : إِنَّ ما بهِ الشَّيْءُ هو هو باعْتِبارِ حَقِيقَتِه حقيقةٌ ، وباعْتبارِ تَشَخُّصِهِ هُوَ به ـ ومع قَطْعِ النَّظَرِ عن ذلِك ـ : ماهِيَّةٌ وهو ضِدُّ المَجازِ وإِنَّما يَقَعُ المَجازُ ويُعْدَلُ إِليه عن الحَقِيقةِ لمَعانٍ ثَلاثة ، وهي : الاتِّساعُ ، والتَّوْكِيدُ ، والتَّشْبِيه ، فإِنْ عُدِمَ هذه الْأَوْصافَ كانت الحَقِيقَةُ البَتَّةَ.
والحَقِيقَةُ : ما يَحِقُّ عليكَ أَنْ تَحْمِيَهُ يُقال : فلان حامِي الحَقِيقَةِ ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ ، وهو مَجازٌ ، كما في الأَساسِ ، وفي اللِّسانِ : حَقِيقَةُ الرَّجُل : ما يَلْزَمُه حِفْظُه ومَنْعُه ، ويَحِقُّ عليه الدِّفاعُ عنه من أَهْلِ بَيْتِه ، وجَمْعُها : الحَقائِقُ.
ويُقال : الحَقِيقَةُ : الرّايَةُ ومنه قَوْلُ أَبِي المُثَلَّمِ يَرْثِي صَخْرَ الغَيِّ الهُذَلِيَّ :
حامِي الحَقِيقَةِ نَسّالُ الوَدِيقَةِ مِعْ |
|
تاقُ الوَسِيقَةِ جَلْدٌ غيرُ ثُنْيانِ (٥) |
وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لعامِر بنِ الطُّفَيْلِ :
لقَدْ عَلِمَتْ عُلْيا هَوازِنَ أَنَّنِي |
|
أَنا الفارِسُ الحامِي حَقِيقَةَ جَعْفَرِ |
قالَ الصاغانِيُّ : جَعْفَرٌ هذا أَبو جَدِّهِ ؛ لأَنَّه عامِرُ بنُ الطُّفَيْلِ بنِ مالِكِ بنِ جَعْفَرِ بنِ كِلابٍ.
وبَناتُ الحُقَيْقِ ، كزُبَيْرٍ : تَمْرٌ رَدِيءٌ ، قِيلَ : هو الشِّيصُ ، نقَلَه اللَّيْثُ (٦) بنُ عَبّادٍ ، وكَذَا أَبو رافعٍ عَبْدُ اللهِ وقِيلَ :
__________________
(١) البيت لجرير كما في التهذيب ، وصدره في ديوانه ص ٣١٢ :
قل للأخيطل إذ جدّ الجراء بنا
وفي الديوان : «أقصر» بدلاً من «قصر».
(٢) عجزه في ديوانه ط بيروت ص ١٢٠ :
فيافٍ تنوفات وبيداءُ خيفقُ
(٣) في الأساس : وهذه امرأةٌ.
(٤) عن الأساس ، وبالأصل «وتحققت».
(٥) ديوان الهذليين ٢ / ٢٣٩ وقوله نسّال من نسل الماشي ينسُل نسلا ونسلاناً بمعنى أسرع.
(٦) قال الأزهري : قال الليث : بنات الحقيق ضرب من التمر ، صحف الليث هذه الكلمة وأخطأ في التفسير أيضاً ، والصواب لون الحُبيق ضرب من التمر رديء ، وبنات الحقيق في صفة التمر تغيير ، ولون الحبيق معروف.