حديثُ أَبِي بكرٍ بتَخْفِيفِ القافِ ، مِن حاقَ بهِ البلاءُ حَيْقاً وحاقاً : إِذا أَحْدَقَ به ، أَي : من اشْتِمالِ الجُوعِ عليه ، ويجوزُ أَنْ يكونَ بمعنَى الحائِقِ ، كالشّالِ والنّالِ.
قال ابنُ سِيدَه : قال سِيبَوَيْه : قالُوا : هذا العالِمُ حَقُّ العالِمِ ، يُرِيدُونَ بذلِكَ التَّناهي ، وأَنَّه قد بَلَغَ الغايةَ فيما يَصِفهُ من الخِصالَ ، قالَ : وقالُوا : هذا عَبْدُ الله الحَقَّ لا الباطِلَ ، دخلت فيه اللّامُ كدُخُولها في قولهم : أَرسَلَها العِراكَ ، إِلّا أَنّه قد تَسْقُطُ منه ، فتَقُول : حَقًّا لا باطِلاً.
والحاقَّةُ : النّازِلَةُ الثّابِتَةُ ، كالحَقَّةِ.
وقِيلَ : سُمِّيَتِ القِيامَةُ حاقَّةً لأَنَّها تَحُقُّ كلَّ إِنْسانٍ من خَيْرٍ وشَرٍّ ، قاله الزِّجّاحُ ، وقالَ الفَرّاءُ : سُمِّيَت حاقَّةً لأَنَّ فِيها حَواقَّ الأُمُورِ والثَّوابَ ، قال الله تَعالَى : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) (١) أَو لأَنَّها تَحُقُّ لكُلِّ قَوْمٍ عَمَلَهُم وقِيلَ : تَحُقُّ كُلَّ مُحاقٍّ في دينِ الله بالباطِلِ ، أَي : كُلَّ مُجادِلٍ ومُخاصِمٍ وهو من قَوْلِهم : حَقَّهُ ، كمَدَّهَ يَحُقُّه حَقًّا : إِذا غَلَبَه وخَصَمَه ، قالَ ابنُ عَبّادٍ : على الحَقِّ ويُقال : حاقَقْتُه أُحاقُّه حِقاقاً ، ومُحاقَّةً ، وفَحَقَقْتُه أَحُقُّه ، أَي : غَلَبْتُه ، وفَلَجْتُ عليه.
كأَحَقَّه إِحْقاقاً ، نَقَلَهُ الأَزهرِيُّ عن الكِسائِيِّ ، قال : وأَنْكَرَه أَبو عُبَيد.
وحَقَّ الشَّيءَ : أَوجْبَهَ وأَثْبَتَه ، وصارَ عندَه حَقًّا لا يَشُكُّ فيه ، ويُقال : يَحِقُّ عليكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذا ، أَي : يَجِبُ كأَحَقَّه ، وحَقَّقَه وقِيلَ : أَحَقَّه : صَيَّرَه حَقًّا.
وحَقَّ الطَّرِيقَ : ركِبَ حاقَّهُ أَي : وَسَطَه ، ومنه الحَدِيثُ أَنَّه قالَ للنِّساءِ : «لَيَسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ ، عليكُنَّ بحافاتِ الطَّرِيقِ» (٢).
وحَقَّ فُلاناً يَحُقَّه حَقًّا : ضَرَبَه في حاقِّ رَأْسِه أَي : وَسَطِه أَو ضَرَبَه في حُقِّ كَتِفِه : اسمٌ للنُّقْرَةِ التي عَلَى رَأْسِ الكَتِفِ وقِيلَ : هو رَأْسُ العَضُدِ الذي فيه الوابِلَةُ (٣).
وحَقَّ الأَمرُ يَحُقُّ بالضمِّ ويَحِقُّ بالكسرِ حَقَّةً ، بالفتحِ وذِكْرُ الفَتْحِ مُسْتَدرَكٌ ، وكذلك حَقًّا ، وحُقوقاً ، كقُعُودٍ : صارَ حَقًّا ، وثَبَتَ قال الأَزْهَرِيُّ : مَعناه : وَجَبَ وُجُوباً ، ومنه قولُه تَعالى : (وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ ، عَلَى الْكافِرِينَ) (٤) أي : وَجَبَت وثَبَتَتْ ، وكذلِكَ قولهُ تعالَى : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ) (٥).
وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ : حَقَّ الأَمْرُ يَحِقُّ حَقًّا ، ويَحُقُّ : إِذا وَقَعَ بلا شَكٍّ ونصُّ الجَمْهَرِة : وَضَحَ ولم يَكُ فيه شَكٌّ لازِمٌ مُتَعَدٍّ.
وحَقَقْتُ حَذَرَه أَحُقُّه حَقًّا وأَحقَقْتُه : إِذا فَعَلْت ما كانَ يَحْذَرُه نقله الصاغانِيُّ ، وأَنْكَره الأَزْهَرِيُّ ، وقال : إِنَّما هو أَحْقَقْتُ حَذَرَه ، لا غَيْره (٦).
وحَقَقْتُ الأَمْرَ : إذا تَحَقَّقْته وتَيَقَّنْته أَي : وصرتَ منه عَلَى يَقِينٍ ، حكاه أَبو عُبَيْدٍ.
وحَقَقْتَ فُلاناً : إِذا أَتَيْته كأَحْقَقْتَه ، حكاه أَبو عُبَيْدٍ أَيضاً.
وقال الكِسائِيُّ : يُقال : حُقَّ لكَ أَنْ تَفْعَلَ ذا ، بالضَّمِّ ، وحَقِقْتَ أَنَّ تَفْعَلَه ، بمعنىً واحِد وحُقَّ له أَن يَفْعَلَ كذا ، وهو مَحْقُوقٌ به ، أَي : خَلِيقٌ ، وهم مَحْقُوقُونَ.
وقالَ ابنُ عَبّادٍ ، هو حَقِيقٌ به ، وحَقٌّ أَي : جَدِيرٌ وخَلِيقٌ ، وقولُه تعالَى : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ) (٧) أَي : أَنا حَقِيقٌ بالصِّدْقِ ، وقرأَ : نافعٌ «حَقِيقٌ عليَّ» بتشديدِ الياءِ ، أَي : واجِبٌ عليَّ ، وقال شَمِرٌ : تَقُولُ العَرَبُ : حَقَّ عليَّ أَن أَفْعَلَ ذلِك ، وحُقَّ ، وإِنيِّ لمَحْقُوقٌ أَنْ أَفْعَلَ خَيْراً ، وهو حَقِيقٌ به ، ومَحْقُوقٌ به ، أَي : خَليقٌ له ، والجَمْعُ أَحِقّاءُ ، ومَحْقُوقُونَ ، وقالَ الفَرّاءُ : حُقَّ لَكَ أَن تَفْعَلَ ذلِك ، وحَقَّ ، وإِنِّي لمَحْقُوقٌ أَنْ أَفْعَلَ كذا ، فإِذَا قُلْتَ : حُقَّ ، قُلْتَ : لَكَ ، وإِذا قُلْتَ : حَقَّ ، قلتَ : عَلَيْكَ ، قال : وتَقُول : يَحِقٌ عليكَ أَنْ تَفْعَلَ كذا ، وحُقَّ لكَ ، ولم يَقُولُوا : حَقَقْتَ أن تَفْعَلَ ، وقولُه تَعالى : (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) (٨) أَي :
__________________
(١) الآيات ١ ـ ٣ من سورة الحاقة.
(٢) نصه في النهاية : ليس للنساء أن يحققن الطريق.
(٣) انظر الجمهرة ١ / ٦٣.
(٤) سورة الزمر الآية ٧١.
(٥) سورة يس الآية ٧.
(٦) نص التهذيب : «وقد حُق حذرك ولا تقل حَقّ حَذَرك وحققت حَذَرك وأحققته أي فعلت ما كان يحذر» وفي موضع آخر نقل عن أبي عبيد : قال أَبو زيد : حقَقْت حَذَر الرجل وأحققته فعلت ما كان يحذر.
(٧) سورة الأعراف الآية ١٠٥.
(٨) سورة الانشقاق الآية ٢.