حُبِّها» وأَرادَ بالأَطْفالِ والأَبْناءِ : الأَحْزانَ المُتَوَلِّدَةَ ، عن الحُبِّ قال ابنُ بَرِّيّ : وقولُ المَجْنُون من المَقْلُوبِ لأَنَّ الأَزْرارَ هي الّتِي تَضُمُّ البَنائِقَ ، وليست البنائِقُ هي التي تَضُمُّ الأَزْرارَ ، وكان حَقُّ إِنْشادِه :
كما ضَمَّ أَزْرارُ القَمِيصِ البِنائِقَا
إِلّا أَنّه قَلَبَه ، وفَسَّرَ أَبو عَمْرٍو الشَّيْبانِيُّ البَنائِقَ هُنا بالعُرَى التي تُدْخَلُ فيها الأَزْرارُ ، والمَعْنَى على هذا واضِحٌ بَيِّنٌ ، لا يُحْتاجُ معه إِلى قَلْبٍ ولا تَعَسُّفٍ ، إِلّا أَنَّ الجُمْهُورَ على الوَجْهِ الأَوَّل ، وذكر ابنُ السِّيرافِيِّ أَنَّه رَوَى بعضُهم :
كما ضَمَّ أَزرارُ القَمِيصِ البَنائِقَا
قالَ : وليس بصَحِيحٍ ؛ لأَنَّ القَصِيدَةَ مَرْفُوعةٌ (١) ، وبَعْدَه :
وماذَا عَسَى الواشُونَ أَن يَتَحَدَّثُوا |
|
سِوَى أَنْ يَقُولوا إِنَّنِي لَكِ عاشِقُ |
وقالَ أَبُو الحَجّاجِ الأَعْلَمُ : البَنِيقَةُ : اللَّبِنَةُ ، وكُلُّ رُقْعَةٍ تُزادُ في ثَوْبٍ أَو دَلْوٍ ليَتَّسِعَ ، فهي بَنِيقَةٌ ، ويُقَوِّي هذا القولَ قولُ الأَعْشَى :
قَوَافِيَ أَمْثالاً يُوَسِّعْنَ جِلْدَه |
|
كما زِدْتَ في عَرْضِ الأَدِيمِ الدَّخارِصَا (٢) |
فجَعَلَ الدِّخْرِصَةَ رُقْعَةً في الجِلْد زِيدَتْ ليَتَّسِعَ بها ، قالَ السِّيرافِيُّ : والدِّخْرِصَةُ أَطْوَلُ من اللَّبِنَةِ ، قال ابن بَرّي : وإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَنِيقَةَ القَمِيصِ هي جُرُبّانُه ، فُهِمَ مَعْناهُ ؛ لأَنَّ جُرُبّانَه مَعْرُوفٌ ، وهو طَوْقُه الَّذِي فِيه الأَزْرارُ مَخِيطَةٌ ، فإِذا أُرِيدَ ضَمُّه أُدْخِلَتْ أَزْرارُه في العُرَى ، فضَمَّ الصَّدْرَ إِلى النَّحْرِ ، وعلى ذلِك فُسِّرَ بيتُ المَجْنون ، قال : ويُبَيِّنُ صِحَّةَ ذلِكَ ما أَنْشَدَه القالِي في نَوادِرِه :
له خَفَقانٌ يَرْفَعُ الجَيْبَ والحَشَى |
|
يُقَطِّعُ أَزْرارَ الجُرُبّانِ (٣) ثائِرُهْ |
وهذا مِثْلُ بَيْتِ ابنِ الدُّمَيْنَةِ :
رَمَتْنِي بطَرْفٍ لو كَمِيًّا رَمَتْ بِه |
|
لبُلَّ نَجِيعاً نَحْرُه وبَنائِقُهْ |
لأَنَّ البَنِيقَةَ هي الجُرُبّانُ ، ومما يَدُلُّكَ على أَنَّ البَنِيقَةَ هي الجُرُبّانُ قولُ جَرِيرٍ :
إِذا قِيلَ هذا البَيْنُ راجَعْتُ عَبْرَةً |
|
لَها بجُرُبّانِ البَنِيقَةِ واكِفُ |
وإِنما أَضافَ الجُرُبّانَ إِلى البَنِيقَةِ ـ وإِن كانَ إِيّاها في المَعْنَى ـ ليُعْلَمَ أَنَّهما بمَعْنىً واحِدٍ ، وهذا من بابِ إِضافةِ العامِّ إِلى الخاصِّ ، ولمّا كانَ الجُرُبّانُ إِمّا يَنْطَلِقُ على البَنِيقَةِ وعَلَى غِلاف السَّيْفِ ، وأُرِيدَ به البَنِيقَة ، أَضافَهُ إِلى البَنِيقَةِ ، ليُخَصِّصَه بذلك ، وقال أَبو العَبّاسِ الأَحْوَلُ : البَنِيقَةُ : الدِّخْرِصَةُ ، وعليه فُسِّرَ بيتُ ذِي الرُّمَّةِ السابِقُ.
وقد عُرِفَ مما تَقَدَّم أَنَّ البَنِيقَةَ اخْتُلِف في تَفْسِيرها ، فقِيلَ : هي لَبِنَةُ القَمِيص ، وقيلَ : جُرُبّانُه ، وقِيلَ : دِخْرِصَتُه ، فعَلَى هذَا تَكُونُ البَنِيقَةُ والدِّخْرِصَةُ والجُرُبّانُ بمَعْنَىً واحدٍ ، وسُمِّيَتْ بَنِيقَةً لجَمْعِها وتَحْسِينِها ، هذا حاصِلُ ما ذَكَرُوه ، فتَأَمَّلْ ذلِكَ.
كالبِنَقَةِ ، كعِنَبَةٍ قالَ ابنُ عَبّادٍ : البِنَقَةُ بِنَقَةُ : القَمِيصِ ، وجَمْعُها بِنَقٌ ، ولم يُفَسِّرْها ، وفي اللِّسانِ : قال ثَعْلَبٌ : بنائِقُ وبِنَقٌ ، وزَعَم أَنَّ بِنَقاً جَمْعُ الجَمْعِ ، وهذا مِمّا لا يُعْقَلُ.
والبَنِيقَتانِ : دائِرتانِ في نَحْرِ الفَرَس.
والبَنِيقَةُ : زَمَعَةُ الكَرْمِ إِذا عَظُمَت.
وقال ابنُ عَبّادٍ : البَنِيقَةُ :الشَّعَرُ المُخْتَلِفُ وَسَطَ المَوْقِفِ من الشّاكِلَةِ وفي اللِّسان : بَنِيقَةُ الفَرَسِ : الشَّعَرُ المُخْتَلِفُ في وَسَطِ مِرْفَقِهِ ، وقِيلَ : مما يَلِي الشّاكِلَةَ وبَنَقَ : وَصَلَ يُقال : أَرضٌ مَبْنُوقةٌ ، أَي : مَوْصُولةٌ بأُخْرَى ، كما تُوصَلُ بَنِيقَةُ القَمِيصِ ، قالَهُ ابنُ سِيدَه ، وأَنشَدَ قولَ ذِي الرُّمَّةِ :
ومُغْبَرَّةِ الأَفْيافِ مَسْحُولَةِ (٤) الحَصَى |
|
دَيامِيمُها مَبْنُوقَةٌ بالصَّفاصِفِ |
__________________
(١) ومطلعها ـ ديوانه ص ٢٠٣ :
لعمرك إن الحب يا أم مالكٍ |
|
بجسمي جزاني الله منك للائقُ |
(٢) ديوانه برواية في عرض القميص.
(٣) هذه رواية الفراء ، أما القالي ٢ / ٦٠ فقد أنشده بكسر الجيم والراء.
(٤) بالأصل «محلولة» وبهامش المطبوعة المصرية : «قوله : محلولة الحصى كذا في اللسان ، وفي التكملة : مسحولة وفسرها بالملساء» والمثبت عن التكملة والديوان ص ٣٨٥.