ونَظَر أَبو الغَوْثِ الأَعرابِيّ إِلى قِرْطاسٍ رَقِيق فقالَ : غِرْقِيءٌ تَحْتَ كِرْفِيءٍ. وقالَ الفَراءُ : هَمزتُه زائِدَةٌ لأَنَّه من الغَرَقِ ، ووافَقَه الزّجّاج ، واختارَه الأَزْهَرِيُّ ، وهذا مَوْضِعُه. ووَهِم الجَوْهَرِيُّ.
قال شيخُنا : لا وَهَم فيه ؛ لأَنّه نبَّه هناك على زِيادَةِ الهَمْزةِ ، على أَنَّ المُصنِّف قد ذَكَره هناك ، وتابَعَ الجَوهريَّ بلا تَنْبِيه عليه ، فأَوهَم أَصالَتَه ، وأَعاده هُنا للاعْتِراض المَحْضِ.
قلتُ : وقال ابنُ جِنِّي : ذَهَب أَبو إِسحاقَ إِلى أَنَّ همزةَ الغِرْقىءِ زائِدَةٌ ، ولم يُعَلِّل ذلك باشْتِقاقٍ ، ولا غَيرِه ، قالَ : ولَستُ أَرَى للقَضاءِ بزِيادةِ هذه الهَمزة وَجْهاً من طَرِيقِ القِياسِ ؛ وذلك أَنَّها ليسَتْ بأُولَى فَيُقْضَى بزِيادَتِها ، ولا نَجِدُ فيها مَعْنَى الغَرَق ، اللهُمّ إِلّا أَن يَقُولَ : إِن الغِرقِىءَ يحتَوِي على جَمِيعِ ما يُخفِيه من البَيْضَة ويغْتَرِقُه. قالَ : وهذا عِندِي فيه بُعْدٌ ، ولو جازَ اعْتِقاد مِثلِه على ضَعْفِه لَجازَ لكَ أَن تَعتَقِد في هَمْزَةِ كِرْفِئَةٍ أَنها زائِدة ، وتَذهَبَ إِلى أَنَّها في مَعْنَى كَرَفَ الحِمارُ : إِذا رَفَع رأْسَه لشَمِّ البَوْلِ ، وذلِك لأَنَّ السّحاب أَبداً ـ كما تَراه ـ مُرْتَفِعٌ ، وهذا مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ.
وغَرْقَأَتِ الدَّجاجَةُ بَيْضَتَها : إِذا باضَتْها ، وليسَ لها قِشْرٌ يَابِسٌ.
وغرقَأَت البَيْضَةُ : خَرجَت وعليها قِشْرةٌ رقِيقة والغُرَيْقُ ، كَزُبَيْرٍ : وادٍ لِبَنِي سُلَيْم.
وقال ابنُ عَبَّاد : غَرَقْتُ من اللَّبَنِ غَرْقةً ، أَي : أَخَذْتُ منه كُثْبَةً.
قالَ : وإِنَّه لغَرِقُ الصَّوْت كَكَتِف أَي : مُنْقَطِعُه مَذْعُور.
وقالَ ابن دُرَيْدٍ : الغِرْياقُ ، كجِرْيال : طائِرٌ زَعَموا ، وليس بثَبت (١).
وأَغرَقَه في الماءِ إِغْراقاً مثل غَرَّقَه تَغْرِيقاً ، فهو مُغْرَق وغَرِيقٌ. قالَ تَعالِي : (ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ) (٢) وقالَ تَعالَى : (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ) (٣) وقال تعَالى : (فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (٤). وأَغرق الكأْسَ إِذا مَلَأَها وهو مجاز.
وأَغرَقَ النازِعُ في القَوْسِ أَي : استَوْفَى مَدَّها. وهو مَجازٌ. قالَ ابن شُمَيْلٍ : الإِغْراقُ : الطَّرحُ ، وهو أَن تُباعِدَ السَّهمَ من شِدَّة النَّزْعِ. يُقال : إِنّه لطَرُوحٌ. وقال أسيد الغَنَوِيّ : الإِغْراق في النَّزْع : أَنْ يَنْزِعَ حتّى يُشْرِبَ بالرِّصاف ، ويَنْتَهِي إِلى كَبِدِ القَوْسِ ، ورُبَّما قَطَع يَدَ الرَّامِي. وشُرْبُ القَوْسِ الرِّصافَ : أَنْ يَأْتِيَ النَّزْعُ على الرَّصاف كُلِّه إِلى الحَدِيدَةِ ، يُضرَبُ مَثلاً للغُلُوِّ والإِفْراطِ.
كغَرَّق تَغْرِيقاً. يُقال : غَرَّقَ النَّبْلَ : إِذا بَلَغَ به غايةَ المَدِّ في القَوْسِ.
ولِجامٌ مُغرَّقٌ بالفِضَّةِ ، كمُعَظَّمٍ ومُكْرَمٍ أَي : مُحَلَّى بِهَا.
وقِيلَ : إِذا عَمَّتْه الحِلْية ، وقد غَرَّق. وتَقُول : فلانٌ جَفْنُ سَيْفِه مُغَرَّق ، وجَفْنُ ضَيْفِه مُؤرَّق ، وهو مجاز.
والتَّغْرِيقُ : القَتْل وهو مَجاز ، وأَصلُه من الغَرَقِ. يُقال : غرَّقَت القابلَةُ الوَلَدَ ؛ وذلك إِذا لم تَرْفُق به حَتَّى تَدخلَ السابِياءُ أَنفَه ، فتَقْتُله. قال الأَعْشَى (٥) ، يعني قَيسَ بنَ مَسْعُود الشَّيْبانِيّ :
أَطَوْرَيْنِ في عامٍ : غَزاةً ورِحْلةً |
|
أَلا لَيْت قَيْساً غرَّقَتْه القَوابِلُ |
ويُقال : إِنَّ القَابِلَةَ كانَتْ تُغَرِّق المَوْلودَ في ماءِ السَّلَى عامَ القَحْطِ ، فَيَمُوت (٦) ذكَراً كانَ أَو أُنْثَى ، ثم جُعِلَ كُلُّ قَتْلٍ تَغْرِيقاً. ومنه قَولُ ذِي الرَّمَّةِ :
إِذا غَرَّقت أَرُباضُها ثِنْيَ بَكْرَةٍ |
|
بتَيْهاءَ لم تُصْبِح رَؤُوماً سَلُوبُها |
الأَرْباضُ : الحِبالُ. والبَكْرةُ : الناقَة الفَتِيَّة. وثِنْيُها : بَطْنُها الثّاني. وإِنما لم تَعطِف على وَلَدِها لِمَا لَحِقَها من التَّعَبِ.
وفي الأَساسِ : غَرَّقَت القابِلَةُ المَوْلُودَ : لم تُمَخِّطْه عند وِلادَتِه ، فوقعَ المُخاط في خَياشِيمِه ، فقَتَله ، وهو مجاز.
وفي التَّهْذِيب : العُشَراءُ من النُّوقِ إِذا شُدَّ عليها الرَّحْلُ بالحِبالِ رُبَّما غُرِّقَ الجَنِينُ في ماءِ السّابِياءِ ، فتُسْقِطُه.
وأَنْشَدَ قولَ ذِي الرُّمّة السابِقَ.
__________________
(١) الجمهرة ٢ / ٣٩٥.
(٢) سورة الشعراء الآية ١٢٠.
(٣) سورة يس الآية ٤٣.
(٤) سورة هود الآية ٤٣.
(٥) كذا بالأصل والصواب «يهجو» كما في المحكم وما يستفاد عن الديوان ط بيروت ص ١٣٦.
(٦) في القاموس : ليموتَ.