وقال بعضُ العَرَب لصاحِبِه : إِن كُنْتَ كاذِباً فشَرِبتَ غَبوقاً بارِداً ، أَي : لا كانَ لكَ لبنٌ حَتّى تَشْرَبَ الماءَ القَراح ، فسَمّاه غَبُوقاً على المَثَل ، أَو أَرادَ قام لك ذلكَ مَقام الغَبُوق.
قالَ أَبو سَهْم الهُذَلِيُّ :
ومَنْ تَقْلِلْ حَلُوبَتُه ويَنكُلْ |
|
عن الأَعْداءِ يَغبُقُه القَراحُ (١) |
فاغْتَبَق اغْتِباقاً : شَرِبَهُ ، ومنه الحَدِيثُ : «ما لم تَصْطَحِبُوا أَو تَغْتَبِقُوا» وأَنْشَد اللَّيثُ :
أَيُّها المَرْءُ خَلْفكَ المَوْتُ إِلّا |
|
يَكُ مِنكَ اصْطِباحَةً فاغْتِباقَه |
والمُغْتَبَق : يَكُون مَوْضِعاً ومَصْدَراً قال رُؤبة :
ناءٍ من التَّصْبِيح نَائِي المُغْتَبَقْ (٢)
ورجُلٌ غَبْقانُ ، وامرأَةٌ غَبْقَى : شَرِبَا الغَبُوق ، كِلاهُما بُنِيَا على غيرِ الفِعْلِ ؛ لأَنَّ افْتَعَلَ وتَفعَّلَ لا يُبْنَى منهما فَعْلانُ.
وقالَ ابنُ دُرَيدٍ (٣) : الغَبَقَةُ ، مُحَرَّكةً. خَيْطٌ يُشَدُّ في الخَشَبَةِ المُعْتَرِضة على سَنامِ البَعِير. وفي التَّهْذِيبِ : على سنَامِ الثَّوْرِ إِذا كَرَب أَو سَنَا ؛ لِتَثْبُتَ الخَشَبَةُ على سنَامِه.
قالَ الأَزْهَرِيُّ : ولم أَسمَع الغَبَقَةَ بهذا المَعْنَى لغَيْر ابنِ دُرَيْدٍ.
وتَغَبَّقَ : حَلَب بالعَشِيِّ عن اللِّحيانِيِّ.
* ومما يُسْتَدْرَكُ عليه :
التَّغبُّق : الشّرب بالعَشِيِّ.
وغَبَقه يَغبِقه من حدّ ضَرَب غَبْقاً.
وغَبَّقه تَغْبِيقاً : سقاه غَبُوقاً. وغَبَق الإِبلَ والغَنَم : سَقاها ، أَو حَلَبَها بالعَشِيّ.
ويُقالُ : هذه النّاقَةُ غَبُوقِي ، وغَبُوقَتي ، أَي : أَغتَبِقُ لَبَنها ، وجَمْعُها الغَبائِق ، على غَيْر قِياسٍ ، وكذلك صَبُوحِي وصَبُوحَتِي. ويُقال : هي قَيْلَتْه ، وهي النّاقةُ التي يَحْتَلِبُها عند مَقِيلِه ، قال :
ما لِيَ لا أُسْقَى على عِلَّاتِي |
|
صَبائِحِي غَبائِقِي قَيْلاتِي (٤) |
وقالَ اللِّحْيانِيّ : الغَبُوقُ والغَبُوقةُ : النّاقَةُ التي تُحْلَبُ بعد المَغْرِبِ ، قالَ : واغْتبَقَها : حَلَبَها في ذلك الوَقْت ، وفي حَدِيثِ أَصحابِ الغارِ : «لا أَغْبِقُ قَبْلَهما أَهلاً ولا مَالاً» هكذا ضَبَطَه اليُونِينِيُّ في فرعه بكَسرِ الباءِ من حدّ ضَرَب ، وصحَّحَه ، أَي : ما كنتُ أُقَدِّم عليهما أَحداً في شُربِ نَصِيبهما من اللَّبَنِ الذي يَشْربانِه. وفي حَديث المُغِيرة : «لا تُحَرَّمُ الغَبْقَة» هكذا جاءَ في رِواية. وهي المَرَّة من الغَبُوق ، ويُرْوى بالعَيْن المُهْمَلة والياءِ والفاءِ ، وقد تَقَدَّم.
ويُقالُ : لَقِيتُه ذَا غَبُوقٍ ، وذا صَبُوحٍ ، أَي : بالغَداةِ والعَشِيِّ ، لا يُستَعملان إِلّا ظَرْفاً ، [غدق] : الغَدَقُ مُحَرَّكَة : المَاءُ الكَثِير وإِن لم يَكُ مَطَراً.
وقِيلَ : هو المَطَر الكثيرُ العامُّ. وقوله تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) (٥) قال ثَعْلَبٌ : أَي طَرِيقَة الكُفْر لفَتَحْنا عليهم باب اغْتِرار ، كقوله تَعالى : (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) (٦) وقالَ الفَرّاءُ : أَي لزِدْنا في أَمْوالِهم فِتْنةً عليهم وبَلِيَّةً. وقالَ غَيرُهما : أَي عَلَى طَرِيقَة الهُدَى لأَسقَيْناهم ماءً كثيراً. ودلِيلُ هذا قولُه تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ) (٧).
والحَسَنُ بنُ بِشْرِ بنِ إِسْماعِيلَ بن غَدَق : مُحدِّثٌ ، وهو شَيْخٌ لعَبْد الغَنِيِّ المِصْرِي الحافِظ.
وغَدِقت العَينُ ، كفَرِح : غَزُرَتْ وعَذُبَت ، فهي غَدِقة.
وبئْرُ غَدَقٍ ، مُحرَّكةً مُضافةً مَعْرُوفةٌ بالمَدِينةِ ، على ساكِنِها أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسلامِ ، وعندها أُطُمُ البَلَوِيِّين الذي يُقالُ له القَاعُ.
وشَابٌّ غَيْدَقٌ ، وكذا شَبَابٌ غَيْدَقٌ ، وغَيْدَقَانُ ، وغَيْدَاقٌ أَي : ناعِمٌ رَخْصٌ. وأَنشد اللَّيْثُ :
__________________
(١) ديوان الهذليين ٣ / ٨٢ في شعر مالك بن الحارث أخو بني كاهل بن الحارث وفي شرحه قال السكري : يقول : من لا يعز لا يكون له لبن ، ويكون غبوقه الماء القراح.
(٢) بالأصل «نأى ... نأي المغتبق» والمثبت عن الديوان ص ١٠٤.
(٣) الجمهرة ١ / ٣١٨.
(٤) أراد وغبائقي وقبلاتي فحذف حرف العطف ، وحذفه ضعيف في القياس معدوم في الاستعمال ، ووجه ضعفه أن حرف العطف فيه ضرب من الاختصار وذلك أنه قد أقيم مقام العامل.
(٥) سورة الجن الآية ١٦.
(٦) سورة الزخرف الآية ٣٣.
(٧) سورة الأعراف الآية ٩٦.