أَخَذَ منها شاةً ، وقيل : لا تَشانَقُوا فتَجْمَعُوا بينَ مُتَفَرِّقٍ ، قالَ أَبو سَعِيدٍ : وللعَرَبِ أَلفاظٌ في هذا البابِ لم يَعْرِفْها أَبُو عُبَيْدٍ ، يَقُولونَ ـ إِذا وَجَبَ على الرَّجُلِ شاةٌ في خَمْسٍ من الإِبِلِ فقد أَشْنَقَ الرَّجُلُ إِلى آخِرِ ما ذَكَره ، كما سُقْناه عندَ قولِ المُصَنِّفِ : «أَو وَجَبَ عليهِ الأَرْشُ» ، ثم قالَ : قال الفَرّاءُ حَكَى الكِسائِيُّ عن بعضِ العَرَب : الشَّنَقُ إِلى خَمْسٍ وعِشْرِينَ ، قالَ : والشَّنَقُ : ما لم تَجِبْ فيهِ الفَرِيضَةُ ، يريدُ ما بينَ خَمْسٍ إِلى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ.
قالَ مُحَمَّدُ بنُ المُكَرَّمِ ـ مؤلِّفُ اللِّسانِ ، رضياللهعنه ـ : قد أَطْلَقَ أَبو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ لِسانَه في أَبِي عُبَيْدٍ ، ونَدَّدَ بما انْتَقَدَه عليهِ بقَوْلِه أَولاً : إِنَّ قولَه : الشَّنَق : ما بينَ الخَمْسِ إِلى العَشْرِ مُحالٌ إِنّما هو إِلى تِسْعٍ ، وكذلِكَ قولُه : ما بينَ العَشْرِ إلى خَمْسَ عَشَرَةَ ، وكان حَقُّه أَنْ يقولَ : أَرْبَعَ عَشَرَةَ ، ثمَ بِقَولِهِ (١) ثانياً : إِنَّ للعَرَبِ أَلْفاظاً لم يَعْرِفْها أَبُو عُبَيْدٍ ، وهذِه مُشاححةٌ في اللَّفْظِ ، واسْتِخْفافٌ بالعُلَماءِ.
وأَبو عُبَيْدٍ رحمهالله لم يَخْفَ عنه ذلِك ، وإِنَّما قَصَدَ ما بينَ الفَرِيضَتَيْنِ ، فاحْتاجَ إِلى تَسْمِيَتِهما ، ولا يَصِحُّ له قولُ الفَرِيضتينِ إِلّا إِذا سَمّاهما ، فيُضْطَرُّ أَنْ يَقولَ : عَشْرٌ أَو خَمْسَ عشرَةَ ، وهو إِذا قالَ تِسْعاً أَو أَرْبَعَ عَشَرَة فليسَ هناكَ فَرِيضتانِ ، وليسَ هذا الانْتِقادُ بشَيْءٍ ، أَلا تَرَى إِلى ما حَكاهُ الفَرّاءُ عن الكِسائِيِّ عن بعضِ العَرَب : الشَّنَقُ إِلى خَمْسٍ وعِشْرِينَ ، وتَفْسِيرُه بأَنَّهُ يريدُ ما بينَ الخَمْسِ إِلى خَمْسٍ وعشْرِينَ ، وكانَ على زَعْمِ أَبِي سعيدٍ يَقُول : الشَّنَقُ إِلى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ ؛ لأَنّها إِذا بلَغتْ خَمْساً وعِشْرِينَ ففيها بنتُ مَخاضٍ ، ولم يَنْتَقِدْ هذا القَوْلَ على الفَرّاءِ ولا عَلَى الكِسائِيِّ ولا عَلَى العَرَبيِّ المَنقُولِ عنه ، وما ذاكَ إِلّا لأَنَّهُ قَصَدَ حَدَّ الفَرِيضَتَيْنِ وهذا انْحِمالٌ من أَبِي سَعِيدٍ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ ، واللهُ أَعلَمُ.
* ومما يُسْتَدْرَكُ عليه :
الشَّنَقُ ، مُحَّركةً : طُولُ الرَّأْسِ ، كأَنّما يُمَدُّ صُعُداً ، قالَ :
كأَنَّها كَبْداءُ تَنْزُو فِي الشَّنَقْ
هكذا في اللِّسانِ ، وهو لرُؤبةَ يَصِفُ صائِداً ، والرِّوايَةُ : «سَوَّى لَها كَبْداءَ» وبعدَه :
نَبْعِيَّةً ساوَرَها بينَ النِّيَقْ (٢)
وقِيلَ : الشَّنَقُ هنا : وَتَرُ القَوْسِ ، وقالَ ابنُ شُمَيْلٍ : هو الجَيِّدُ من الأَوْتارِ ، وهو السَّمْهَرِيُّ الطَّوِيلُ ، وقِيلَ : العَمَلُ ، وقد ذَكَرهُ المُصَنِّفُ ، ففيه ثلاثةُ أَقوالٍ.
والشِّناقُ ، بالكسر : حَبْلٌ يُجْذَبُ به رأْسُ البَعِيرِ والنّاقةِ ، والجمعُ أَشْنِقَةٌ وشُنُقٌ.
وقد أَشْنَقَ : إِذا أَعْطَى الشَّنَقَ ، وهي الحِبالُ ، قاله ابنُ الأَعرابِيِّ.
وقالَ ابنُ سِيدَه : عُنُقٌ أَشْنَقُ : طَوِيلٌ ، وفَرَسٌ أَشْنَقُ ومَشْنُوقٌ : طَوِيلُ الرَّأْسِ ، وكذلك البَعِيرُ ، والأُنْثى شَنْقاءُ ، وشِناقٌ ، وفي التَّهْذِيبِ : ويُقالُ للفَرَسِ الطَّوِيلِ : شِناقٌ ومَشْنُوقٌ ، وأَنْشدَ :
يَمَّمْتُه بأَسِيلِ الخَدِّ مُنْتَصِبٍ |
|
خاظِي البَضِيعِ كمِثْلِ الجِذْعِ مَشْنُوقِ |
وقالَ ابنُ شُمَيْلٍ : ناقَةٌ شِناقٌ : طويلَةٌ سَطْعاءُ ، وجَمَلٌ شِناقٌ : طَوِيلٌ في دِقَّةٍ.
وقَلْبٌ شَنِقٌ : هَيْمانُ.
ورَجُلٌ شَنِقٌ : حَذِرٌ ، قال الأَخْطَلُ :
وقد أَقُولُ لثَوْرٍ هَلْ تَرَى ظُعُناً |
|
يَحْدُو بهِنَّ حِذارِي مُشْفِقٌ شَنِقُ |
وكُلُّ خَيْطٍ عَلَّقْتَ به شَيْئاً شِناقٌ.
والإِشْناقُ : أَنْ تُغَلَّ اليَدُ إِلى العُنُقِ ، قاله أَبو عَمْرٍو وابنُ الأَعْرابِيِّ ، وأَنْشَد الأَوَّلُ لعَدِيِّ بنِ زَيْدٍ :
ساءَها ما بِنا تَبَيَّنَ في الأَيْ |
|
دِي وإِشْناقُها إِلى الأَعْناقِ |
وقالَ أَبو سَعِيدٍ : أَشْنَقْتُ الشَّيْءَ ، وشَنَقْتُه : إِذا عَلَّقْتَه ، قال المُتَنَخّلُ الهُذَلِيُّ يصِفُ قَوْساً ونَبْلاً :
شَنَقْتُ بها مَعابِلَ مُرْهَفاتٍ |
|
مُسالاتِ الأَغِرَّةِ كالقِراطِ (٣) |
__________________
(١) في المطبوعة الكويتية : «يقول ثانياً» والمثبت يوافق اللسان.
(٢) عن الديوان وبالأصل «النبق» بالباء الموحدة. وقد تقدم الرجزان في المادة.
(٣) ديوان الهذليين ٢ / ٢٧ وفيه : ويروى : قَرنتُ بها. وفسر شنقت : جعلتُ النبل في الوتر فشنقتُها كما تُشنق الناقة.