وقالَ ابنُ الأَنْبارِيِّ : يَذْكُرُونَ السّاقَ إِذا أَرادُوا شِدَّةَ الأَمْرِ ، والإِخْبارَ عن هَوْلِهِ كما يُقال : الشَّحِيحُ يَدُه مَغْلُولَةٌ ، ولا يَدَ ثَمَّ ولا غُلَّ ، وإِنّما هُوَ مَثَلٌ في شِدَّةِ البُخْلِ ، وكذلِك هذا ، لا ساقَ هُناك ولا كَشْفَ ، وأَصْلُه أَنّ الإِنْسانَ إِذا وَقَع في (١) شِدَّةٍ يُقالُ : شَمَّرَ ساعِدَه ، وكَشَف عن ساقِه ، للاهْتِمامِ بذلِكَ الأَمْرِ العَظِيمِ ، قالَ ابنُ سِيدَه : وقد يَكُونُ يُكْشَفُ عن ساقٍ ؛ لأَنَّ الإِنْسانَ إِذا دَهَمَتْهُ شِدَّةٌ شَمَّرَ لَها عن ساقَيْهِ ، ثُمَّ قِيلَ للأَمْرِ الشَّدِيدِ : ساقٌ ، ومنه قَوْلُ دُرَيْدٍ :
كَمِيشُ الإِزارِ خارِجٌ نِصْفُ ساقِهِ (٢)
أَرادَ : أَنه مُشَمِّرٌ جادٌّ ، ولم يُرِدْ خُرُوجَ السّاقِ بعَيْنِها.
ومن المَجازِ : وَلَدَتْ فُلانَةُ ثَلاثَةَ بَنِينَ على ساقٍ واحِدٍ ، كما في الصِّحاح ، وفي العُبابِ : واحِدَةٍ ، أَي : مُتَتابِعَةً بَعضُهم عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ لا جارِيَةَ بَيْنَهُم نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ ، وهو قَوْلُ ابنِ السِّكِّيتِ ، وقالَ غيرُه : وُلِدَ لفُلانٍ ثَلاثَةُ أَولادٍ ساقاً على ساقٍ ، أَي : واحِداً في إِثْرِ واحِدٍ.
وساقُ الشَّجَرةِ : جِذْعُها كما في الصِّحاحِ ، وهو مَجازٌ ، وقِيلَ : هو ما بَيْنَ أَصْلِها إِلى مَشْعَبِ أَفْنانِها ، وفي حَدِيثِ مُعاوِيَةَ ـ رضياللهعنه ـ : «إِنَّ رَجُلاً قالَ : خاصَمْتُ إِليه ابنَ أَخِي ، فجَعَلْتُ أَحُجُّه ، فقالَ : أَنْتَ كما قالَ أَبُو دُوادٍ :
أَنَّى أُتِيحَ لَهُ حِرْباءُ تَنْضُبُةٍ |
|
لا يُرْسِلُ السّاقَ إِلّا مُمْسِكاً ساقَا |
أَرادَ : لا تَنْقَضِي له حُجَّةٌ إِلّا تَعَلَّقَ بأُخْرىَ ، تَشْبِيهاً بالحِرْباءِ ، والأَصْلُ فيهِ أَنَّ الحِرْباءَ يَسْتَقْبِلُ الشمسَ ثم يَرْتَقِي إِلى غُصْنٍ أَعْلَى مِنْه ، فلا يُرْسِلُ الأَوَّلَ حَتّى يَقْبِضَ على الآخَرِ.
وساقُ حُرٍّ : ذَكَرُ القَمارِيِّ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ ، وأَنْشَدَ للكُمَيْتِ :
تَغْرِيد ساقٍ عَلَى ساقٍ يُجاوِبُها |
|
من الهَواتِفِ ذاتُ الطَّوْقِ والعُطُلُ |
عَنَى بالأَوَّلِ الوَرَشَان ، وبالثانِي ساقَ الشَّجَرَةِ. قلتُ : ومثلُه قولُ الشَّمّاخِ :
كادَتْ تُساقِطُنِي والرَّحْلَ إِذ نَطَقَتْ |
|
حَمامَةٌ فدَعَتْ ساقاً على ساقِ |
قالَ الأَصْمَعِيُّ : سُمِّي بهِ لأَنَّ حِكايَةَ صَوْتِه ساقُ حُرٍّ قالَ ـ حُمَيْدٌ [بن ثور] (٣) رضياللهعنه ـ :
وما هاجَ هَذا الشَّوْقَ إِلّا حَمامَةٌ |
|
دَعَتْ ساقَ حُرٍّ في حَمامٍ تَرَنَّما |
وذَكَر أَبو حاتِمٍ في كِتابِ الطَّيْرِ ـ عَقِيبَ ذَكَرِ القُمْرِيِّ ـ قالَ : إِنّه يَضْحَكُ ، كما يَضْحَكُ الإِنْسانُ ، وساقُ حُرٍّ كالقُمْرِيِّ يَضْحَكُ أَيْضاً ، وسُمِّيَ بصِياحِه ساقَ حُرٍّ ، ولا تَأْنِيثَ لَهُ ولا جَمْعَ ، وقالَ السُّكَّرِيُّ : القُمْرِيُّ والصُّلْصُلُ وما أَشْبَهَهُما تُسَمِّيها العَرَبُ الحَمامَ ، وهو ساقُ حُرٍّ ، ويُقال : ساقُ حُرٍّ أَبُوهُنَّ الأَوَّلُ ، وإِنّ أَصْواتَهُنَّ إِنَّما هيَ نَوْحٌ ، ومنه قَوْلُ ابنِ هَرْمَةَ :
ولا بالَّذِي يَدْعُو أَباً لا يُجِيبُهُ |
|
كساقِ ابْنِ حُرٍّ والحَمامِ المُطَوَّقِ |
وقالَ خَديجُ بنُ عَمْرٍو ـ أَخُو النَّجاشِيِّ ـ :
سأَبْكِي عَلَيْهِ ما بَقِيتُ وَراءَه |
|
كما كانَ يَبْكِي ساقُ حُرٍّ حلائِلَهْ |
أَو السّاقُ : الحَمامُ ، والحُرُّ فَرْخُها نَقَله شَمِرٌ عن بَعْضٍ.
وساق ع في قَوْلِ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى :
عَفَا من آلِ لَيْلَى بَطْنُ ساقٍ |
|
فأَكْثِبَةُ العَجالِزِ فالقَصِيمُ (٤) |
ويُقالُ له ساقُ الرِّجْلِ.
وساقُ الفَرْوِ ، أَو ساقُ الفَرْوَيْنِ : جَبَلٌ لأَسَد ، كأَنَّهُ قَرْنُ ظَبْيٍ قالَ :
أَقْفَرَ من خَوْلَةَ ساقُ الفَرْوَيْن |
|
فحضنٌ فالرُّكْنُ من أَبانَيْن |
وساقُ الفَرِيدِ : ع قالَ الحُطَيْئَةُ :
__________________
(١) اللسان : في أمرٍ شديدٍ.
(٢) ديوانه وعجزه فيه :
صبور على العزّاء طلّاع أَنْجُدِ
(٣) زيادة للإيضاح ، والبيت الشاهد في ديوانه برواية مختلفة.
(٤) ديوانه ط بيروت ص ٩٦ ، وبهامشه : بطن ساق والقصيم موضعان.