فوالله ما هو إلّا قد سمعتها ، فأخذتني الرّعدة حتّى ظننت لأسقطنّ على صاحبي ونزلت أقول : ما هذا الخبر فرفع مولاي يده فلكمني (١) ، فقال : ما لك ولهذا ، أقبل على عملك.
فلمّا أمسيت وكان عندي شيء من طعام فحملته وذهبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله بقبا ، فقلت : إنّك رجل صالح وإن معك أصحاباً ، وكان عندي شيء من الصّدقة فها هو ذا فكل منه فأمسك رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال لأصحابه : كلوا ولم يأكل ، فقلت في نفسي : هذه خصلة ممّا وصف لي صاحبي ، ثمَّ رجعت وتحوّل رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى المدينة ، فجمعت شيئاً كان عندي ثمَّ جئته به فقلت : إنّي قد رأيتك لا تأكل الصّدقة وهذه هديّةٌ وكرامة ليست بالصّدقة : فأكل رسول الله صلّى الله عليه وآله وأكل أصحابه فقلت هاتان خُلَّتان.
ثمَّ جئت رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يتبع جنازة وعليه شملتان وهو في أصحابه فاستدبَرتُهُ لأنظر إلى الخاتم في ظهره ، فلمّا رآني رسول الله صلّى الله عليه وآله استدبرته عرف أنّي أستثبت شيئاً قد وصف لي فرفع لي ورداءَه ، عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصف لي صاحبي ، فأكببت عليه أُقبّله وأبكي فقال : تحوّل يا سلمان هنا ، فتحوّلتُ وجلست بين يديه وأحبّ أن يسمع أصحابه حديثي عنه فحدّثته يا ابن عباس كما حدثتك.
فلمّا فرغت قال رسول الله : كاتب يا سلمان ، فكاتبت
صاحبي على ثلاثمائة نخلة اُحييها له وأربعين أوقيّة ، فأعانني أصحاب رسول الله بالنّخل ثلاثين وديّة (٢) وعشرين وديّة كلّ رجل على قدر ما عنده ، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله : أنا
أضعها بيدي ، فحفرت لها حيث توضع ، ثمَّ جئت رسول الله صلّى الله عليه وآله فقلت : قد فرغت منها
، فخرج معي حتّى جاءَها ، فكُنّا نحمل إليه الوديّ ، فيضعه بيده فيسوّي عليها ، فوالّذي
بعثه بالحقّ نبيّاً ما مات منها وديّة واحدة وبقيت عليّ الدّراهم ، فأتاه رجل من بعض
المعادن بثمل البيضة من الذّهب ، فقال رسول الله : أين الفارسي المكاتب المسلم ؟
_________________________________
(١) اللّكم : الضّرب بتمام الكفّ.
(٢) الوديّة والوديّ : النّخل الصّغير.