المُعَاقَدَةِ علَى الخيرِ ، ونُصرةِ الحَقِّ ، وبذلك يَجْتَمِعُ الحَدِيثَان ، وهذا هو الحِلْفُ الذي يقْتَضِيه الإِسْلامُ ، وَالمَمْنُوعُ منه ما خَالَفَ حُكْمَ الإِسْلامِ.
قال الجَوْهَرِيُّ : والأَحْلَافُ الذين في قَوْلِ زُهَيْرِ بن أَبي سُلْمَى ، وهو :
تدَارَكْتُمَا الأَحْلافَ قد ثُلَّ عَرْشُهَا |
|
وَذُبْيَانَ قد زَلَّتْ بِأَقْدَامِهَا النَّعْلُ |
هم : أَسَدٌ ، وغَطَفَانُ ، لأَنَّهُمْ تَحالَفُوا وفي الصِّحاح : حَلَفُوا (١) علَى التَّنَاصُرِ ، وَكذا في قَوْلِهِ أَيضا أَنْشَدَهُ ابنُ بَرِّيّ :
أَلَا أَبْلِغِ الأَحْلَافَ عَنِّي رِسَالَةً |
|
وَذُبْيَانَ هَلْ أَقْسَمْتُمُ كُلَّ مَقْسَمِ |
والأَحْلافُ أَيضاً : قَوْمٌ مِن ثَقِيفٍ ، لأَنَّ ثَقِيفاً فِرْقَتَانِ : بنو مالِكٍ ، والأَحْلافُ ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ ، والأَحْلَافُ في قُرَيْشٍ : سِتُّ قبَائِلَ ، وهم : عبدُ الدَّارِ ، وكَعْبٌ ، وجُمَحُ ، وَسَهْمٌ ، ومَخْزُومٌ ، وعَدِيٌّ ، وَقَال ابنُ الأَعْرَابِيِّ : خَمْسُ قَبَائِلَ ، فأَسْقَطَ كَعْباً ، سُمُّوا بذلك لأَنَّهُم لَمَّا أَرَادَتْ بَنُو عبدِ مَنَافٍ أَخْذَ مَا في أَيْدِي بَنِي عَبدِ الدَّارِ مِن الْحِجَابَةِ ، وَالرِّفَادَةِ ، وَاللِّوَاءِ ، والسِّقَايَةِ ، وأَبَت بَنُو عبدِ الدَّارِ ، عَقَدَ كُلُّ قَوْمٍ علَى أَمْرِهِمْ حِلْفاً مُؤَكَّداً علَى أَنْ لا يَتَخَاذَلُوا ، فَأَخْرَجَتْ عبدُ مَنَافٍ جَفْنَةً مَمْلُوءَةً طِيباً ، فَوَضَعَتْهَا لأَحْلَافِهِمْ ، وهم أَسَدٌ ، وَزُهْرَةُ ، وتَيْمٌ في المَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، فَغَمَسُوا أَيْدِيَهُمْ فِيهَا ، وتَعَاقَدُوا ثم مَسَحُوا الكَعْبَةَ بأَيْدِيهم تَوْكِيداً ، فسُمُّوا المُطَيَّبِينَ ، وتَعَاقَدَتْ بَنُو عبدِ الدَّارِ وحُلَفَاؤُهُمْ حِلْفاً آخَرَ مُؤَكَّداً علَى أَن لا يَتَخَاذَلُوا ، فَسُمُّوا الأَحْلَافَ ، وَقال الكُمَيْتُ يَذْكُرُهم :
نَسَباً في الْمُطَيَّبِينَ وفي الأَحْ |
|
لَافِ حَلَّ الذُّؤابَةَ الْجُمْهُورَا |
وقيلَ لِعُمَرَ رضياللهعنه : أَحْلَافيٌّ لأَنَّهُ عَدَوِيٌّ ، قال ابنُ الأَثِيرِ : وهذا أَحَدُ ما جَاءَ مِن النَّسَبِ لا يُجْمَعُ (٢) ، لأَنَّ الأَحْلافَ صَار اسْماً لهم ، كما صَار الأَنْصَارُ اسْماً للأَوْسِ وَالخَزْرَجِ ، وكانَ رسولُ الله صلىاللهعليهوسلم وأَبو بَكْرٍ رضياللهعنه مِن المُطَيَّبِينَ. والحَلِيفُ ، كأَمِيرٍ : الْمُحَالِفُ ، كما في الصِّحاحِ ، كالْعَهِيدِ ، بِمَعْنَى المُعَاهِدِ ، وهُو مَجَازٌ ، قال أَبو ذُؤَيْبٍ :
فَسَوْفَ تَقُولُ إِنْ هِيَ لم تَجِدْنِي |
|
أَخَانَ الْعَهْدَ أَم أَثِمَ الْحَلِيفُ(٣) |
وَقال الكُمَيْتُ :
تَلْقَى النَّدَى ومَحْلَفاً حَلِيفَيْنْ |
|
كَانَا مَعاً في مَهْدِهِ رَضِيعَيْنْ |
وَقال اللَّيْثُ : يُقَال : حَالَفَ فُلانٌ فُلانًا ، فهو حَلِيفَهُ ، وَبينهما حِلْفٌ ، لأَنَّهما تحالَفَا بالأَيْمَانِ أَن يكون أَمْرُهما وَاحِداً بالْوَفَاءِ ، فلمَّا لَزِمَ ذلِك عندَهم في الأَحْلَافِ التي في العَشَائِرِ والقَبَائِلِ ، صار كلُّ شَيْءٍ لَزِمَ سَبَباً (٤) فلم يُفَارِقْهُ فهو حَلِيفُهُ ، حتى يُقَالَ : فُلانٌ حَلِيفُ الجُودِ ، وحَلِيفُ الإِكْثَارِ ، وَحَلِيفُ الإِقْلالِ ، وأَنْشَدَ قَوْلَ الأَعْشَى :
وَشَرِيكَيْنِ في كَثِيرٍ مِنَ الْمَا |
|
لِ وكَانَا مُحَالِفَيْ إِقْلَالِ |
والْحَلِيفَانِ : بَنُو أَسَدٍ وَطِيِّىءٌ كما في الصِّحاحِ والعُبَابِ.
وَقال ابنُ سِيدَهُ : أَسَدٌ وغَطَفَانُ ، صِفَةٌ لَازِمَةٌ لهما لُزُومَ الاسْمِ.
قال : وفَزَارَةُ وأَسَدٌ أَيْضاً حَلِيفَانِ ؛ لأَنَّ خُزَاعَةَ لَمَّا أَجْلَتْ بني أَسَدٍ عن الحَرَمِ ، خَرَجَتْ فَحَالَفَتْ طَيِّئاً ، ثم حَالَفَتْ بني فَزَارَةَ.
ومِن المَجَازِ : هو حَسَنُ الوَجْهِ حَلِيفُ اللِّسَانِ ، طَوِيلُ الْإِمَّةِ ، أي : حَدِيدُهُ ، يُوَافِقُ صَاحِبَهُ علَى ما يُرِيدُ لِحِدَّتِهِ ، كأَنَّهُ حَلِيفٌ ، نَقَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ ، وبهذا يُجَابُ عن قَوْلِ الصَّاغَانِيِّ ـ في آخَرِ التَّرْكِيبِ ـ : وقد شَذَّ عنه لِسَانٌ حَلِيفٌ ، فتَأَمَّلْ.
وفي حَدِيثِ الحَجَّاجِ ، أَنه أُتِيَ بيَزِيدَ بنِ المُهَلَّبِ يَرْسُفُ في حَدِيدِهِ ، فأَقْبَلَ يخْطِرُ بيَدَيْهِ ، فغَاظَ الحَجَّاجَ ، فقَالَ :
جَمِيلُ المُحَيَّا بَخْتَرِيٌّ إِذَا مَشَى
__________________
(١) الذي في الصحاح : تحالفوا.
(٢) في النهاية : من النسب إلى الجمع.
(٣) ديوان الهذليين ١ / ٩٩ وفسر الحليف بأنه الحالف فيما كان بيني وبينه من العهد.
(٤) في التهذيب : لزم شيئاً.