العدوي فذهب الغلام واستوى على ظهر ناقته. وكان حيّ بني سعد من مكّة على ثمانية عشر ميلا في طريق جدّة. قال : فذهب الغلام نحو حيّ بني سعد ، فلحق بهم واذا خيمتهم من مسح وخوص ، وكذلك خيم الأعراب والبوادي ؛ فدخل شمردل الحيّ وسأل عن خيمة عبداللّه بن الحارث ، فأعطوه الأثر فذهب شمردل إلى الخيمة ، فاذا بخيمة عظيمة واذا على باب الخيمة غلام اسود ، فاستأذن شمردل في الدّخول ؛ فدخل الغلام وقال : انعم صباحا يا ابا ذؤيب. قال : فحيّاه عبداللّه وقال له : ما الخبر يا شمردل؟ فقال : اعلم يا سيّدي انّ مولاي ابا الحارث عبدالمطّلب قد وجّهني نحوك وهو يدعوك ، فان رأيت يا سيّدي ان تجيبه فافعل. قال عبداللّه السّمع والطّاعة ؛ وقام عبداللّه من ساعته ودعى بمفتاح الخزانة ، فاعطى المفتاح ، ففتح باب الخزانة واخرج منها جوشنه فأفرغها على نفسه ، واخرج بعد ذلك درعا فاضلا فأفرغه على نفسه فوق جوشنه ، واستخرج بيضة عادية فقلّبها على رأسه ، وتقلّد بسيفين ، واعتقل رمحا ، ودعا بنجيب فركبه ، وجاء نحو عبدالمطّلب. فلمّا دخل تقدّم شمردل واخبر عبدالمطّلب ، وكان جالسا مع رؤساء مكّة مثل عتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وعقبة بن أبي معيط وجماعة من قريش ؛ فلمّا رأى عبدالمطّلب عبداللّه قام على قدميه واستقبله وعانقه وصافحه واقعده إلى جنبه ، والزق ركبتيه بركبتيه ، ولم يتكلّم حتّى استراح. ثمّ قال له عبدالمطّلب : يا اباذؤيب أتدري بما دعوتك؟ قال : يا سيّدي وسيّد قريش ورئيس بني هاشم حتّى تقول فأسمع منك واعمل بأحسنه. قال : اعلم يا ابا ذؤيب ، انّ نافلتي محمّد بن عبداللّه مات ابوه ولم يبن عليه اثره ، ثمّ ماتت امّه وهو ابن اربعة اشهر ، وهو لا يسكن من البكاء عيمة إلى اللّبن ، وقد احضرت عنده اربعمأة وستّين جارية من اشرف واجلّ بني هاشم فلم يقبل من واحدة منهنّ لبنا ؛ والآن سمعنا انّ لك بنتا ذات لبن ، فان رأيت ان تنفذها لترضع ولدي محمّدا ، فان قبل لبنها فقد جاءتك الدّنيا بأسرها وعلى غناك وغنى اهلك وعشيرتك ، وان كان غير ذلك ترى ممّا رأيت من النّساء غيرها فافعل. ففرح عبداللّه فرحا شديدا ثمّ قال : يا ابا الحارث انّ لي بنتين فأيّتهما تريد؟ قال عبدالمطّلب : اريد اكملهما عقلا واكثرهما لبنا واصونهما عرضا. فقال عبداللّه : هاتيك حليمة ، لم تكن كأخواتها ، بل خلقها اللّه تعالى اكمل عقلا واتمّ فهما وافصح لسانا واثجّ لبنا واصدق لهجة وارحم قلبا منهنّ جمع. قال الواقدي : فقال عبدالمطّلب : انّي وربّ السّماء ما اريد الاّ ذلك ....
«البحار ، ج ١٥ ، ص ٣٤١ تا ٣٤٣ ، ح ١٣».