سَلِيحٍ دِينَارَيْن من كُلِّ رَجُلٍ ، وكانَ الَّذِي يَلِي ذلِكَ سَبْطَةُ بنُ المُنْذِر السَّلِيحِيُّ ، فجَاءَ سَبْطَةُ إِلى جِذْعٍ يَسْأَلُهُ الدِّينَارَيْنِ ، فدَخَلَ جِذْعٌ مَنْزِلَهُ ، فَخَرَجَ مُشْتَمِلاً بسَيْفِهِ ، فضَرَبَ بِه سَبْطَةَ حَتَّى بَرَدَ ، وقَالَ : «خُذْ مِنْ جِذْعٍ ما أَعْطَاكَ» ، وامْتَنَعَتْ غَسْانُ مِنْ هذِه الإِتَاوَةِ بَعْدَ ذلِكَ ، وهذا هو المُعَوَّلُ عَلَيْه في أَصْل المَثَل : قاله الصّاغَانِيُّ (١).
قُلْتُ : والَّذِي في كِتَابِ الأَمْثَالِ لِلأَصْمَعِيّ : جِذْعٌ :رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ كَانَ المُلْك فِيهِم ، ثم انْتَقَل إِلى سَلِيحٍ ، فجاءُوا يُصَدِّقُونَهُمْ ، فَسَامُوهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهِمْ ، فقَالَ ثَعْلَبَةُ ـ وهو أَخُو جِذْع ـ : هذاكَ جِذْعٌ ، فاذْهَبْ إِلَيْه حَتى يُعْطِيكَ ما سَأَلْتَ ، فأَتَاهُ فَقَالَ : هذا سَيْفِي مُحلًّى فخُذْهُ. فنَاوَلَهُ جَفْنَهُ ، ثُمَّ انْتَضاهُ فضَرَبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ ، فقالَ ثَعْلَبَةُ أَخُوهُ : «خُذْ مِنْ جِذْعٍ ما أَعْطَاكَ». أَوْ أَصْلُ المَثَلِ أَنَّهُ أَعْطَى بَعْضَ المُلُوكِ سَيْفَهُ رَهْناً فلَمْ يَأْخُذْه مِنْهُ ، وقال : اجْعَلْ هذا في كَذَا مِنْ كَذَا ، أَيْ من أُمِّكَ فَضَرَبَهُ به فَقَتَلَهُ ، وقَالَهُ ، وهكَذا أَوْرَدَهُ الجَوْهَرِيُّ ، وتَبِعَه صاحِبُ اللّسَانِ. قالَ الصّاغَانِيّ بَعْدَ نَقَلَ الوَجْهَ الأَوَّلَ : يُضْرَبَ في اغْتِنَامِ ما يَجُودُ به البَخِيلُ.
وِفي الصّحاح : تَقُولُ لوَلَدِ الشّاةِ في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وللبَقَرِ أَي لولد البقر وذَوَاتِ الحَافِرِ في السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ، ولِلإِبِلِ فِي السَّنَةِ الخَامِسَة : أَجْذَعَ إِجْذَاعاً.
قُلْتُ : وتَقَدَّمَ تَحْقِيقُه قَرِيباً في أَوّلِ المادَّةِ ، فأَغْنَانَا عَنْ ذِكْرِهِ ثانِياً.
وِقالَ ابنُ عَبّادٍ : المُجذعُ : كمُكْرَم ومُعَظَّم : كُلُّ ما لا أَصْلَ لَهُ ولا ثَبَاتَ. ولو قالَ : «كمُحصَنٍ» بَدَلَ «كمُكْرَمٍ».
كما فَعَلَهُ الصّاغَانِيُّ ، لأَشَارَ إِلى لُحُوقِهِ بِنَظَائِرِهِ التي جَاءَتْ عَلَى هذا البَابِ ، وقَدْ ذُكِرَ فِي «س هـ ب» و «ل ف ج» وسَيَأْتِي بَعْضُ ذلِكَ أَيْضاً.
قال : وخَرُوفٌ مُتَجَاذِعٌ : وَانٍ ، مِن الإِجْذَاعِ ، هكذا في نُسَخِ العُبَاب : وَانٍ ، بالوَاوِ ، وفِي التَّكْمِلَةِ : «دَانٍ» بالدّالِ ، ومِثْلُهُ في الأَسَاسِ ، ولَعَلَّهُ الصَّوابُ.
* ومِمّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ :
الجُذُوعَةُ ، بالضَّمِّ : الاسْمُ من الإِجْذَاعِ. وقَوْلُه ـ أَنْشَدَهُ ابنُ الأَعْرَابِيّ ـ :
إِذا رَأَيْتَ بَازِلاً صَارَ جَذَعْ |
|
فاحْذَرْ ـ وإِنْ لَمْ تَلْقَ حَتْفاً ـ أَن تَقَعْ |
فَسَّرَهُ فقالَ : مَعْنَاهُ : إِذا رَأَيْت الكَبِيرَ يَسْفَهُ سَفَهَ الصَّغِيرِ ، فاحْذَرْ أَنْ يَقَعَ البَلاءُ ، ويَنْزِلَ الحَتْفُ. وقالَ غيرُ ابنِ الأَعْرَابِيّ : مَعْناهُ إِذا رَأَيْتَ الكَبيرَ قَد تَحَاتَّتْ أَسْنَانُه فذَهَبَتْ ، فإِنَّهُ قد فَنِيَ وقَرُبَ أَجَلُه فاحْذَرْ ـ وإِنْ لَمْ تَلْقَ حَتْفاً ـ أَنْ تَصِيرَ مِثْلَه ، واعمَل لنَفْسِك قَبْلَ المَوْت ما دُمْتَ شابّاً.
وقَوْلُهُمْ : فلانٌ في هذا الأَمْرِ جَذَعٌ : إِذا كَانَ أَخَذ فيه حَدِيثاً ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ والزَّمَخْشَرِيّ ، وهو مَجازٌ. وأَعَدْتُ الأَمْرَ جَذَعاً : أَيْ جَدِيداً كَما بَدَأَ ، وهو مَجَازٌ أَيْضاً. وفُرَّ الأَمْرُ جَذَعاً : أَيْ بُدِىءَ (٢) ، وفَرًّ الأَمْرَ جَذَعاً : أَيْ أَبْدَأَه. وإِذا طُفِئَتْ حَرْبٌ بَيْنَ قَوْمٍ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنْ شِئْتُم أَعَدْنَاهَا جَذَعَةً ، أَي أَوّلَ ما يُبْتَدَأُ فِيها ، وكُلُّ ذلِكَ مَجَازٌ.
وِتَجَاذَعَ الرَّجُلُ : أَرَى أَنَّهُ جَذَعٌ ، على المَثَلِ ، قال الأَسْوَدُ :
فإِنْ أَكُ مَدْلُولاً عَلَيَّ فإِنَّنِي |
|
أَخو الحَرْبِ ، لا قَحْمٌ ولا مُتَجَاذِعُ |
وِأَجْذَعَهُ : حَبَسَهُ ، بالذَّالِ ، وبالدال. نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ.
وِجَذَعَ الشَّيْءَ يَجْذَعَهُ جَذعاً : عَفَسَه ودَلَكَهُ.
وِالمَجْذُوعُ : المَحْبُوسُ على غَيْرِ مَرْعىً.
وِجَذَعَ الرَّجُلُ عِيَالَهُ ، إِذا حَبَسَ عَنْهُم خَيْراً ، ويُرْوَى بالدَّالِ ، وقد تَقَدَّم.
وِالجِذْعُ ، بِالكَسْرِ : سَهْمُ السَّقْفِ.
وِجِذَاعُ الرَّجُلِ ، ككِتَابٍ : قَوْمُهُ ، لا وَاحِدَ له.
وِجُذِيْعٌ ، كزُبَيْرٍ : اسمٌ. وأَبُو أَحْمَدَ عبدُ السَّلامِ بنُ عَلِيّ بنِ عُمَرَ المُرَابِطُ ، عُرِفَ بالجَذَّاع ، كشَدَّادٍ (٣) ، رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرِ بنِ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيّ ، وعَنْهُ (٤) أَبُو القَاسِمِ الأَزْهَرِيّ ، ذَكَرَهُ ابنُ السَّمْعَانيّ.
__________________
(١) وهو ما ورد في مجمع الأمثال للميداني ، مثل رقم ١٢٤١.
(٢) في الأساس : إذا عاوده من الرأس.
(٣) ضبطت نصاً في اللباب بضم الجيم وتشديد الذال المعجمة.
(٤) عن اللباب ، وبالأصل «ومنه».