... فرقَّ اليَنْبُوعُ والحَوْرَاءُ
فلا يُعْرَفُ ، بل وَهَمٌ ظاهِرٌ انْتَهَى.
قلت : لا وَهَمَ فِي قَوْلِ البُوصِيرِيِّ ـ رحمهالله وصَانَه عَمّا شأْنَه ـ ففِي الأَساسِ : وكأَنَّ عَيْنَهُ يَنْبُوعٌ ، أَي : وبَقِيَّةُ العُيُونِ مُتَفجِّرَةٌ مِنْهُ ، وحَيْثُ إِنّه اسمُ عَيْنٍ فلا بِدْعَ أَنْ يَكُونَ سُمِّيَ باسْمِ أَكْبَرِ العُيُونِ ، أَو أَنَّه سُمِّيَ بالمَصْدَرِ ، فإِنَّ الرّاغِبَ صَرَّحَ فِي مُفْرَداتِه : نَبَعَ الماءُ يَنْبُع نَبْعاً ونُبُوعاً وَيَنْبُوعاً (١) ، فتَأَمَّلْ.
قلتُ : وهو الآنَ صُقْعٌ كَبِيرٌ بَيْنَ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْن ، وأَمّا العُيُونُ فإِنَّه لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلّا الآثارُ ، قالَ كُثَيِّرٌ يَصِفُ الظُّعُنَ :
قَوَارِضَ حِضْنَيْ بَطْنِ يَنْبُعَ غُدْوَةً |
|
قَوَاصِدَ شَرْقِيَّ العَناقَيْنِ عِيرُهَا |
وقالَ أَيْضاً :
وِمَرَّ فأَرْوَى يَنْبُعاً فجَنُوبَه |
|
وِقَدْ جِيدَ مِنْهُ جَيْدَةٌ فعَباثِرُ |
وقَدْ نُسِبَ إِلَيْهِ حَرْمَلَةُ بنُ عَمْرٍو الأَسْلَمِيُّ الصَّحابِيُّ ، كانَ يَنْزِلُ يَنْبُعَ ، وشَهِدَ حِجَّةَ الوَداعِ.
وِنُبَايِعٌ بضَمِّ النُّونِ أَو نُبايِعاتٌ الأَخِيرُ على الجَمْعِ ، كأَنَّهُم سَمَّوْا كُلَّ بُقْعَةٍ نُبَايع ، كما يُقَالُ لوادِي الصَّفْرَاءِ ، صَفْرَاوَاتٌ : وادٍ في بلادِ هُذَيْلٍ ، قالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ :
فَكَأَنَّهَا بالجِزْعِ جِزْعِ نُبَايِعٍ |
|
وِأُولاتِ ذِي العَرْجاءِ نَهْبٌ مُجْمَعُ (٢) |
وشَكَّ فِيهِ الأَزْهَرِيُّ ، فقَالَ : نُبَايِعُ : اسْمُ مكانٍ ، أَوْ جَبَل ، أَو وادٍ ، قُلْتُ : هكَذا رَواهُ أَبُو سَعِيدٍ نُبايِع ، بتَقْدِيمِ النُّونِ ، ومِثْلُه لابَنِ القَطّاعِ ، وقالَ ابنُ بَرِّيّ : حَكَى المُفَضَّلُ فِيه الياءَ قَبْلَ النُّونِ ، وقالَ أَبُو بَكْرٍ : هُوَ مِثَالٌ لَمْ يَذْكُرْه سِيبَوَيْهٌ ، وأَمّا ابْنُ جِنِّي فجَعَلَهُ رُبَاعِيًّا ، وقالَ : ما أَظْرَفَ بأَبِي بَكْرٍ أَنْ أَوْرَدَهُ عَلَى أَنَّه أَحَدُ الفَوَائِتِ ، أَلا يَعْلَمُ أَنَّ سِيبَوَيْهٌ قالَ :«ويَكُونُ عَلَى يَفَاعِلَ نَحْو : اليَحَامِدِ واليَرَامِعِ» فأَمّا إِلْحَاقُ عَلَمِ التَّأْنِيث والجَمْعِ بهِ ، فزائِدٌ عَلَى المِثَالِ ، غَيْرُ مُحْتَسَبٍ بهِ ، وإِنْ رَوَاهُ [رَاوٍ] (٣) نُبَايِعَات». فنُبَايِعُ : نُفَاعِلُ ، كنُضارِبُ ونُقَاتِلُ ، نُقِلَ وجُمِعَ ، وكَذلِكَ نُبَاوِعات (٤).
وفِي العُبَابِ : والدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ نُبَايِعَ ونُبَايِعاتٍ واحِدٌ ، قَوْلُ البُرَيْقِ الهُذَلِيِّ يَرْثِي أَخاهُ :
لَقَدْ لاقَيْتُ يَوْمَ ذَهَبْتُ أَبْغِي |
|
بحَزْمِ نُبَايِعٍ يَوْماً أَمارَا (٥) |
ثُمَّ قالَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْيَاتٍ :
سَقَى الرَّحْمنُ حَزْمَ نُبَايِعَاتٍ |
|
مِنَ الجَوْزَاءِ أَنْوَاءً غِزَارَا (٦) |
وِنُبَيْعٌ كزُبَيْرٍ : ع حِجَازِيٌّ ، أَظُنُّه قُرْبَ المَدِينَةِ ، عَلَى ساكِنِها أَفْضَلُ الصّلاةِ والسّلامِ ، ويُرْوَى قَوْلُ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى :
غَشِيتُ دِيارًا بالنُّبَيْعِ فثَهْمَدِ |
|
دَوَارِسَ قَدْ أَقْوَيْن مِنْ أُمِّ مَعْبَدِ |
والرِّوَايَةُ المَشْهُورَةُ «بالبَقِيعِ».
وِالنَّبْعَةُ ، والنُّبَيْعَةُ كجُهَيْنَةَ : مَوْضِعَانِ ، وفِي التَّكْمِلَة :جَبَلانِ بعَرَفَاتٍ.
وِنابِعٌ : ع ، بالمَدِينَةِ ، على ساكِنِها أَفْضَلُ الصّلاةِ والسَّلامِ.
وِمِنَ المَجَازِ : رَشَحَتْ نَوَابِعُ البَعِيرِ ، أَي : مَسَايِلُ عَرَقهِ ، وهِيَ المَوَاضِعُ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا عَرَقُه ، كما فِي الصِّحاحِ.
وِالنَّبْعُ : شَجَرٌ زادَ الأَزْهَرِيُّ : مِنْ أَشْجَارِ الجِبَالِ ، وقالَ أَبُو حَنِيفَةَ : شَجَرٌ أَصْفَرُ العُودِ رَزِينُه ثَقِيلُهُ في اليَدِ ، وإِذا تَقَادَمَ احْمَرَّ ، وقد جاءَ ذِكْرُه في الحَدِيثِ : قيلَ : كانَ يَطُولُ ويَعْلُو ، فدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقالَ : «لا أَطَالَكَ اللهُ مِنْ عُودٍ» ، فَلَمْ يَطُلْ بَعْدُ ، للقِسِيِّ تُتَّخَذُ مِنْهُ ، قالَ أَبو حَنِيفَةَ : وكُلُّ القِسِيِّ إِذا ضُمَّتْ إِلَى قَوْسِ النَّبْعِ كَرَمَتْهَا قَوْسُ النَّبْعِ ؛ لأَنَّهَا أَجْمَعُ القِسِيّ للأَرْزِ واللِّينِ ـ يَعْنِي بالأَرْزِ
__________________
(١) كذا بالأصل والذي في المفردات المطبوع : يقال نبع الماء ينبع نبوعاً ونبعاً ، والينبوع العين الذي يخرج منه الماء وجمعه ينابيع.
(٢) ديوان الهذليين ١ / ٦ برواية : بين ينابع.
(٣) زيادة عن اللسان.
(٤) في اللسان : ينابعاوات.
(٥) ديوان الهذليين ٣ / ٦١ برواية ذهبتَ تبغي.
(٦) ديوان الهذليين برواية : جزع نبايعات.