فصل الطاء مع العين
[طبع] : الطَّبْعُ ، والطَّبِيعَةُ ، والطِّبَاعُ ، ككِتَابٍ : الخَلِيقَةُ والسَّجِيَّةُ التي جُبِلَ عَليْهَا الإِنْسَان ، زاد الجَوْهَرِيُّ : وهو ـ أَي الطبْعُ ـ في الأَصْلِ مَصْدَرٌ ، وفي الحَدِيثِ : «الرِّضاعُ يُغَيِّرُ الطِّبَاعَ» أَو الطِّباعُ ، ككِتَابٍ : ما رُكِّبَ فِينا من المَطْعَمِ والمَشْرِبِ ، وغيرِ ذلِكَ من الأَخْلاق الَّتِي لا تُزَايِلُنا ، المُرَاد من قَوْلِه : وغيْر ذلك ، كالشِّدَّةِ والرَّخَاءِ ، والبخْلِ والسَّخَاءِ.
وِالطِّبَاعُ مؤَنَّثةٌ ، كالطِّبِيعَةِ ، كما في المحْكَمِ.
وقالَ أَبو القاسِمِ الزَّجّاجِيُّ : الطِّبَاعُ وَاحِدٌ مذَكَّرٌ ، كالنِّحَاسِ والنِّجَارِ.
وقالَ الأَزْهَرِيُّ : ويُجْمَع طَبْعُ الإِنسان طِبَاعاً ، وهو ما طُبِعَ عَليْهِ من الأَخلاق وغيْرِهَا (١).
وِالطِّبَاعُ : وَاحِد طِباعِ الإِنْسَانِ ، على فِعَالٍ ، نحو مِثَالٍ ومِهَادٍ ، ومثلُه في الصّحاحِ والأَسَاسِ ، وغيرِ هؤُلاءِ من الكُتُبِ ، فقولُ شيْخِنا : ظاهِره ـ بل صَرِيحه ، كالصّحاح ـ أَنَّ الطِّباعَ مفْردٌ ، كالطَّبْع والطِّبِيعَة ، وبه قالَ بعضُ مَن لا تَحْقِيقَ عندَه ، تَقْلِيداً لمِثْلِ المصَنِّفِ ، والمَشْهُور الّذِي عليهِ الجُمْهُور أَنَّ الطِّباعَ جَمْعُ طَبْعٍ. ا هـ يُتَعَجَّب من غَرابَتِه ومخَالَفَته لِنُقُولِ الأَئِمَّةِ الَّتِي سَرَدْنَاهَا آنِفاً ، وليْتَ شِعْرَي مَن المُرَاد بالجُمْهُورِ؟ هَلْ هُم إِلّا أَئِمَّةُ اللُّغَةِ كالجَوْهَرِيّ وابن سِيدَه والأَزْهَرِيِّ والصّاغَانِيِّ ، ومِنْ قَبْلِهِمْ أَبو القَاسِم الزَّجّاجِيُّ؟ فهؤُلاءَ كُلُّهُم نَقَلُوا في كُتبِهِم أَنَّ الطِّبَاعَ مُفردٌ ، ولا يَمْنَعُ هذا أَنْ يَكُونَ جَمْعاً للطَّبْعِ من وَجِهْ آخَرَ ، كما يَدلُّ له نَصُّ الأَزْهَرِيِّ ، وأُرَى شيْخَنَا ـ رَحِمَه الله تَعَالَى ـ لم يُرَاجِعْ أُمّهَاتِ اللُّغَةِ في هذا المَوْضِعِ ، سامَحَه الله تَعَالَى ، وعَفَا عَنَّا وعنه ، وهذا أَحَدُ المَزالِقِ في شَرْحِه ، فتَأَمَّلْ ، كالطَّابع ، كصَاحِبِ ، فيما حكاه اللِّحْيَانِيُّ في نَوَادرِه ، قال :له طَابِعٌ حَسَنٌ ، أَي طبِيعَةٌ ، وأَنْشَدَ :
لَه طابِعٌ يَجْرِي عليه وإِنَّمَا |
|
تُفَاضِلُ ما بَيْنَ الرِّجَالِ الطَّبائِعُ(٢) |
وِطَبَعَه الله عَلَى الأَمْرِ يَطْبَعه طَبْعاً : فَطَرَه ، وطَبَع الله الخَلْقَ على الطبائِعِ الَّتِي خَلَقَهَا ، فأَنْشَأَهم ـ وهي خَلائِقُهُم ـ يَطبَعُهم طَبْعاً : خَلَقَهم ، وهي طَبِيعَتُه الَّتِي طُبِعَ عليها. وفي الحَدِيثِ : «كُلُّ الخِلالِ يُطْبَعُ عليها المُؤْمِنُ إِلّا الخِيَانَةَ والكَذِبَ» أَي يُخْلَقُ عليها.
وِمن المَجَازِ : طَبَعَ عليه ، كمَنَعِ ، طَبْعاً ؛ خَتَمَ ، يُقال :طَبَع الله على قَلْب الكافِرِ ، أَي خَتَم فلا يَعِي ، ولا يُوَفَّقُ لخَيْرٍ ، قالَ أَبو إِسْحَاقَ النَّحْوِيُّ : الطَّبْعُ والخَتْمُ وَاحِدٌ ، وهو التَّغْطِيَةُ على الشِّيْءِ ، والاسْتِيثاقُ من أَنْ يَدْخُلَه شَيْءٌ ، كما قال الله تَعَالَى : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٣) وقال عَزَّ وجَلَّ :(كَلّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ) (٤) مَعْنَاه غَطَّى على قُلُوبِهِم.
قال ابنُ الأَثِيرِ : كانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الطَّبْعَ هو الرَّيْنُ (٥) ، قال مُجاهِدٌ : الرَّيْنُ (٥) أَيْسَر من الطَّبْع ، والطَّبْعُ : أَيْسَر من الإِقْفَالِ ، والإِقْفَالُ : أَشَدُّ من ذلِك كُلِّه. قلتُ : والّذِي صَرَّحَ به الرّاغِب أَنَّ الطبْعَ أَعمُّ من الخَتْمِ ، كما سَيَأْتِي قَرِيباً.
وِالطَّبْعُ : ابْتِدَاءُ صَنْعَةِ الشَّيْءِ يُقالُ : طَبَعَ الطَّبّاعُ السَّيْفَ أَو السِّنَانَ : صَاغَه ، وطَبَعَ السَّكَّاكُ ، الدِّرْهَمَ :سَكَّه ، وطَبَعَ الجَرَّةَ من الطِّينِ : عَمِلَهَا. ولو قالَ : واللَّبِنَ :عَمِلَه ، كان أَخْصَرَ.
وِطَبَعَ الدَّلْوَ وكذا الإِناءَ والسِّقَاءَ يَطبَعُهَا طَبْعاً : مَلأَها ، كطبَّعَها تَطبِيعاً ، فتَطبَّعَ.
وِفي نَوَادِرِ الأَعْرَابِ : قَذَّ قَفَا الغُلامِ : ضَرَبَه بأَطْرَافِ الأَصَابعِ ، وطَبَع قَفَاه ، إِذا مَكَّنَ اليَدَ منها ضَرْباً.
وِعن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ : الطَّبْعُ : المِثَالُ والصِّيغَةُ ، تقولُ : اضْرِبْهُ على طَبْعِ هذَا وعلى غِرَارِه وهِدْيَتِه ، أَي على قَدْرِه.
وِالطَّبْعُ : الخَتْمُ ، وهُوَ التَّأْثِيرُ في الطِّينِ ونَحْوِه ، وقالَ الرّاغِبُ : الطَّبْعُ : أَن يُصَوِّرَ الشَّيْءَ بصُورَةٍ ما ، كطَبْعِ
__________________
(١) نص عبارة الأزهري في التهذيب : «وهو ما طبع عليه من طباع الانسان في مأكله ومشربه وسهولة أخلاقه وحزونتها وعسرها ويسرها ، وشدته ورخاوته وبخله وسخائه.
(٢) التهذيب ونسبه للرؤاسي.
(٣) سورة محمد (ص) الآية ٢٤.
(٤) سورة المطففين الآية ١٤.
(٥) عن النهاية وبالأصل «الدين».