التَّشْبِيهِ» نَقْلاً عن الفَرّاءِ. قُلتُ : ومِثْلُه لابْنِ السِّكِّيتِ ، قالَ :قُل : الشَّمَعُ لِلْمُوم ، ولا تقُلْ : الشَّمْعُ ، وقد تَمالَأَ عليه كَثِيرُونَ. وقال ابنُ سِيدَه ـ بعدَ نقْلِه كلامَ الفرّاءِ ـ : وقد غَلِط ، لأَنَّ الشَّمَعَ والشَّمْعَ لُغتانِ فصِيحَتَان. قلتُ : وقد نَقَله شُرّاحُ الفَصِيحِ هكَذا ، وزادُوا : وليس الفَتْحُ لأَجْلِ حَرْفِ الحَلْق لاسْتعْلائِه ، كما قَاله ابنُ خالوَيْه. قال شَيخُنا :حرفُ الحَلْقِ في الّلام لا أَثَرَ له بالنَّسْبَةِ إِلى ضبطِ العَينِ ، وإِنَّمَا الخِلافُ فيه إِذا كانَ عَيْناً ، كنَهَرِ وشَعَر ونحْوِهِمَا ، أَما لاماً فلا أَثَرَ له اتّفاقاً : هذا الّذِي يُسْتَصْبَحُ به ، كما في الصّحاح أَو مُومُ العَسَلِ ، كما قاله اللَّيْثُ. وقال ابنُ السِّكِّيت : المُومُ ، ولم يُقَيِّد بالعَسَل ، القطْعَةُ بهاءٍ ، شَمَعَةٌ وشَمعَة ، وقال ابنُ القيّانيِّ (١) : شمَعٌ ـ كقَدَمٍ ـ يُسَمَّى بالفارِسيَّة المُوم. قال الشِّهابُ في شفاءِ الغلِيلِ : وبه تَعْلَمُ أَنَّ صاحِبَ القامُوس غلِط من وَجْهَيْنِ : زَعمِه أَنَّ السُّكُونَ غَلَط ، وأَنَّ المُومَ عَرَبِيٌّ. قُلْتُ : كونُ أَنَّ سُكُونَ المَيمِ من لُغَةِ المُوَلّدِينَ ، فقد صَرَّحَ به الفرّاءُ وابنُ السِّكِّيتِ وغيرُهما ، وقد نَقلهُ الجَوْهَرِيُّ والصاغَانِيُّ ، وسَلَّمَا للفرّاءِ ، ولم يُغَلِّطْهُ إِلّا ابنُ سِيدَه ، كما تَقَدَّمَ ، فكَفَى للمَصَنِّف قُدْوَةً بهؤلاءِ ، ولم يَحْتَجْ إِلى رَأْيِ ابن سِيدَه ، فلا يَكُونُ ما قَالَهُ غَلَطَاً ، وأَمّا كَوْنُ المُومِ عَربِيًّا ، فهو مُقْتَضَى سِياق عِبَارَةِ اللَّيْثِ وابنِ السِّكِّيتِ ، واسْتَعْملَتْه الفُرْسُ ، وأَكْثرُ استِعْمَالِه عِنْدَهُم ، حتى ظُنَّ أَنَّه فارِسِيٌّ ، ولم يُصَرِّح بكَوْنِه فارِسِيًّا إِلا ابنُ القيّانِيِّ ، كما تَقَدَّم ، والمُصَنِّفُ أَعرَفُ باللِّسَانَيْنِ ، فلا يَكُونُ قولُه غَلَطاً أَيضاً ، وسَيَأْتِي في المِيمِ ـ إِن شَاءَ الله تعالى ـ فتأَمَّل.
وِعَبْدُ الله بنُ العَبّاسِ بن جَبْرِيلَ شيخٌ للدّارَقُطْنِيِّ ، وابنُ أَخيهِ : عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ العَبّاسِ بن جِبْرِيلَ ، ومُحَمَّدُ بنُ بَرَكَة بن أَبِي الحَسَنِ بنِ أَبِي البَرَكَاتِ ، الشّيخُ أَبُو عَبْدِ الله المدى الحريمي (٢) البَغْدَادِيُّ ، حَدَّثَ عن ابْنِ قُمَيْرة ، وابْنِ أَبي سَهْلٍ ، وابن الخَيِّر ، ومُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ ، وعنه الحافظُ الذَّهَبِيُّ في معجم الشُّيُوخِ. قال : وكانَ خَيِّراً متعفِّفاً ، وُلِدَ في حُدُودِ سَنَةِ مائتينِ وسَبْعَةِ وعِشْرِينَ ، وحَدَّثَ ببَغْدَادَ ودِمَشْقَ ، ومات سَنَةَ مائتين وسِتَّةٍ وتسْعِين وأَحْمَدُ بنُ مَحْمُودٍ البَغْدَادِي الشَّمْعِيُّون : مُحَدِّثُون ، هكذا يَنْطِقُونَ به ساكنةً ، والصوابُ تَحْريكُه لأَنَّهُم مَنْسُوبُونَ إِلى الشَّمَعِ ، والأَصْلُ فيه تَحْرِيكُ المِيمِ.
وفاتَهُ : محمَّدُ بنُ عَبْدِ المُطَّلَبِ الشَّمْعِيُّ عن ضِياءِ بن الخُرَيْف ، وأَبو جَعْفَرٍ عَبْدُ الله بنُ المُبَارَك الشَّمْعِيُّ ، المَعْرُوفُ بابْنِ سُكَّرَةَ ، حَدَّثَ عن القاضي أَبي بَكْرِ بنِ الأَنْصَارِيِّ. ومُحَمَّدُ بنُ الحَسَن بنِ الشَّمْعِيِّ ، عن إِبْرَاهِيمَ بنِ أَحْمَدَ البُزُورِيّ.
وِشَمَعَ فُلانٌ ، كمَنَعَ ، شَمْعاً بالفَتْحِ ، وشُمُوعاً ، بالضَّمِّ ، ومَشْمَعَةً : لَعِبَ ومَزَحَ ، وفي بَعْضِ نُسَخِ الصّحاح : إِذا لم يَجِدَّ. وقالَ غيرُه : أَي طَرِبَ وضَحِكَ ، ومنه حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضياللهعنه ـ : «قُلْنَا : يا رَسُولَ الله إِذا كُنَّا عِنْدَكَ رَقَّتْ قُلوبُنا ، وإِذا فارَقْناكَ شَمَعْنَا» ـ أَو شَمِمْنَا ـ النِّسَاءَ والأَوْلادَ» أَي : لَعِبْنَا مع الأَهْلِ ، وعَاشَرْناهُنَّ.
وقال أَبُو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ الحِمَارَ :
فلَبِثْنَ حِيناً يَعْتَلِجْنَ برَوْضَةٍ |
|
فيَجِدُّ حِيناً في المِرَاحِ ويَشْمَعُ(٣) |
قال الأَصْمَعِيُّ : يَلْعَبُ لا يُجادُّ ، وفي الحَدِيث : «من تَتَبَّعَ المَشْمَعَةَ يُشَمِّعُ الله بِهِ» أَرادَ من كَانَ شَأْنُه العَبَثَ والاسْتِهْزَاءَ ، والضَّحِكَ بالنّاسِ ، والتَّفَكُّهَ ، بهِم جَازَاه الله جَزَاءَ ذلِك وقال الجَوْهَريُّ : أَي : من عَبَثَ بالنّاسِ أَصارَهُ اللهُ إِلى حَالَةٍ يُعْبَثُ بهِ فيها ، وقالَ المُتنَخِّلُ الهُذلِيُّ يَذْكُرُ حالَهُ مع أَضْيَافِه :
سَأَبْدَؤُهُم بمَشْمَعَةٍ وأَثْنِي |
|
بجَهْدِي من طَعَامٍ أَو بِسَاطِ (٤) |
يُرِيدُ أَنَّهُ يَبْدَأُ أَضْيَافَه بالمِزَاحِ لِيَنْبَسِطُوا ، ثمَّ يَأْتِيهم بعدَ ذلِكَ بالطَّعَامِ ، وفي الصّحاحِ : «وآتِي* بجُهْدِي» ، قالَ ابنُ بَرِّي : والصَّوابُ وأُثْنِي كما ذَكَرْنَا.
وِقال ابنُ عَبّادٍ : شَمَعَ الشَّيْءُ شُمُوعاً : تَفَرَّقَ.
وِالشَّمُوعُ من النِّسَاءِ ، كصَبُورٍ : المَزّاحَةُ الطَيِّبَةُ الحَدِيثِ التي تُقَبِّلُك ولا تُطَاوِعُكَ على سِوَى ذلِكَ ، وقِيل : هي
__________________
(١) في المطبوعة الكويتية : «ابن التياني» وفيما سيأتي.
(٢) عن المطبوعة الكويتية وبالأصل «الحركي».
(٣) ديوان الهذليين ١ / ٥ وفيه : «في العلاج» بدلاً من «في المراح» وقوله :فلَبِثْنَ أي الأتن.
(٤) ديوان الهذليين ٢ / ٢٢.