شَفَعُوا لَهَا ، من الشَّفَاعَةِ.
وِقولُه تَعَالَى : مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً (يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها) (١) : أَي مَنْ يَزِدْ عَمَلاً إِلى عَمَلٍ ، من الشَّفْعِ ، وهو الزِّيَادَةُ ، كما في العُبَابِ ، وقال الرّاغِبُ : أَي مَنِ انْضَمَّ إلى غَيْرِه وعاوَنَه ، وصارَ شَفْعاً له أَو شَفِيعاً في فِعْل الخَيْرِ أَو الشَّرِّ ، فعَاوَنَهَ أَو شَارَكَه (٢) في نَفْعِه وضُرِّه ، وقِيلَ : الشَّفَاعَةُ هُنَا : أَنْ يُشْرِع الإِنْسَانُ للآخِرَةِ (٣) طَرِيقَ خَيْرِ أَو شَرٍّ ، فيُقْتَدَى به ، فصارَ كَأَنَّهُ شفَع له ، وذلِكَ كما قَالَ عليه الصّلاةُ والسَّلَام : «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فله أَجْرُها وأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بها ، ومَنْ سَنَّ سُنَّةً قَبِيحَةً فله إِثْمُها وإِثْمُ من عَمِلَ بِهَا» وقولُه تَعَالى : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ) (٤).
وقولُه عَزَّ وجَلَّ : وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ (٥) وكذا قَوْلُه تعالَى : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) (٦) وكَذا كَقَوْلِه تَعَالَى : (لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) (٧) قال ابنُ عَرَفَةَ : نَفْيٌ للشافِعِ ، أَي مالَهَا شافِعٌ فَتَنْفَعَها شَفاعَتُه ، وإِنَّمَا نَفَى الله تَعَالَى في هذِه المواضِعِ الشافِعَ لا الشَّفَاعَةَ.
وِالشَّفِيعُ كأَمِيرٍ : الشَّافِعُ ، وهو صاحِبُ الشَّفَاعَةِ والجَمْعُ شُفَعَاءُ ، وهو الطّالِبُ لِغَيْرِه يَتَشَفَّعُ به إِلى المَطْلُوبِ.
وِالشَّفِيعُ أَيْضاً : صاحِبُ الشُّفْعَةِ ، بالضَّمِّ ، تَكُونُ فِي الدّارِ والأَرْضِ.
وسُئلَ أَبُو العَبّاسِ ثَعْلَبٌ عن اشْتِقَاقِ الشُّفْعَةِ في اللُّغَةِ ، فقال : اشْتِقاقُهَا من الزِّيادَةِ وهي : أَنْ تَشْفَعَ ، هكَذَا في العُبَابِ ، والّذِي في اللِّسَان : «يُشَفِّعك» فِيما تَطْلُبُ فتَضُمَّهُ إِلى ما عنْدَك ، فتَشْفعَهُ (٨) أَي تَزِيدَه ، أَي أَنَّهُ كانَ وَتْرَا وَاحِداً ، فضَمَّ إِليه ما زَادَه ، وشَفَعَهُ به. وقال الرّاغِبُ : الشُّفْعَةُ : طَلَبُ مَبِيعٍ في شَرِكَتِه بِما بِيعَ به ، لِيَضُمَّه إِلى مِلْكِه. فهو من الشَّفْعِ.
وقال القُتَيْبيُّ ـ في تَفْسِير الشُّفْعَة ـ : كانَ الرَّجُلُ في الجاهِلِيَّةِ إِذا أَرادَ بَيْعَ مَنْزِلٍ ، أَتاهُ رَجُلٌ ، فشَفَعَ إِليهِ فيما باعَ ، فشَفَّعَه ، وجَعَلَهُ أَوْلَى بالمَبِيعِ مِمَّن بَعُدَ سَبَبُه ، فسُمِّيَتْ شُفْعَةً ، وسُمِّيَ طَالِبُهَا شَفِيعاً.
وِالشُّفْعَة عِنْدَ الفُقَهَاءِ : حَقُّ تَمَلُّكِ الشّخصِ عَلَى شَرِيكهِ المُتَجَدِّدِ مِلْكُه قَهْراً بِعِوَضٍ وفي الحَدِيث : «الشُفْعَةُ فيما لا يُقْسَم ، فإِذا وَقَعَت الحُدُودُ ، وصُرِفَت الطُّرُقُ ، فلا شُفْعَةَ» وفي هذا دَلِيلٌ على نَفْيِ الشُفْعَةِ لغَيْرِ الشَّرِيكِ ، وأَمَّا قولُه :«فإِذا وَقَعَت الحُدُود ... إِلى آخره» فقد يَحْتَجُّ بكلِّ لَفْظَةٍ منها قَوْمٌ ، أَما اللَّفْظَة الأُولَى : ففيها حُجَّةٌ لمن لم يَرَ الشُّفْعَة في المَقْسُوم ، وأَمّا اللَّفْظَةُ الأُخْرُى : فقد يَحْتَجُّ بها من يُثْبِتُ الشَّفْعَةَ بالطَّرِيقِ وإِنْ كانَ المَبِيعُ مَقْسُوماً ، وهذِه قد نَفَاهَا الخَطّابِيُّ بما هُوَ مَذْكُورٌ فِي غَرِيبه ، ثم إِنّه عَلَّقَ الحُكْمَ فيه بمَعْنَيْنِ : وُقُوع الحُدُودِ ، وصَرْف الطُّرُق مَعاً ، فليسَ لهم أَنْ يُثْبِتُوه بأَحَدِهما ، وهو نَفْيُ صَرْفِ الطُّرُق دُونَ نَفْي وقُوعِ الحُدُودِ.
وِقَوْلُ الشَّعْبِيِّ رحِمَهُ الله تَعَالَى : الشُّفْعَةُ على رُؤُوسِ الرِّجَالِ ، أَي إِذا كانَتْ الدَّارُ بَيْنَ جَمَاعَةِ مُخْتَلِفِي السِّهَامِ ، فبَاعَ وَاحِدٌ مِنْهُم نَصِيبَهُ ، فيكونُ ما بَاع لِشُرَكائِه بَيْنَهُم سَوَاءً على رُؤُوسِهِم ، لا عَلَى سِهَامِهِم ، كَذَا في النِّهَايَةِ والعُبَابِ.
وِقالَ أَبُو عَمْرٍو : الشُّفْعَةُ أَيْضاً : الجُنُونُ وجَمْعُها :شُفَعٌ.
وِالشُّفْعَةُ من الضُّحَى : رَكْعَتاه ومنهالحَدِيثُ : «مَنْ حافَظَ عَلَى شُفْعَةِ الضُّحَى غُفِرَت له ذُنُوبُه» ويُفْتَحُ ، فيهما ، كالغُرْفَةِ والغَرْفَةِ ، سَمّاهَا شُفْعَةً لأَنَّهَا أَكْثَرُ من وَاحِدَةٍ ، ونُقِلَ الفَتْح في الشُّفْعَةِ بمَعْنَى الجُنُونِ عن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ.
قال : يُقالُ : فِي وَجْهِهِ شَفْعَةٌ ، وَسَفْعَةٌ ، وشُنْعَةٌ ، ورَدَّةٌ ، ونَظْرَةٌ ، بمَعْنًى واحِدٍ ، وأَمّا الفَتْحُ في شَفْعَةِ الضُّحَى ، فقالَ القُتَيْبِيُّ : الشَّفْعُ : الزَّوْجُ ، ولم أَسْمَعْ به مؤنِّثاً إلّا هُنَا. قالَ : وأَحْسَبُه ذَهَب بتَأْنِيثِه إلى الفَعْلَةِ الوَاحِدَةِ ، أَو إِلى الصَّلاةِ.
وِالمَشْفُوعُ : المَجْنُونُ وإِهْمَالُ السِّينِ لُغَةٌ فيه.
__________________
(١) سورة النساء الآية ٨٥.
(٢) في المفردات : فعاونه وقوّاه وشاركه.
(٣) في المفردات : للآخر.
(٤) سورة المدثر الآية ٤٨.
(٥) سورة البقرة الآية ١٢٣.
(٦) سورة طه الآية ١٠٩.
(٧) سورة يس الآية ٢٣.
(٨) في التهذيب واللسان : الى ما عندك ، فتزيده وتشفعه بها ، أي تزيده بها.