مُتَعَدِّياً بعَلَى ، وكَذَا عَضضْتُ بِهِ ، مُتَعَدِّياً بالبَاءِ ، صَرَّح به الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيُّ ، كسَمِعَ ومَنَعَ. قال شيخُنا : وَزْنُه بمَنَع وَهَمٌ إِذِ الشَّرْطُ غَيْرُ مَوْجُودٍ ، كما في النَّاموس ، إِلاَّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَدَاخُلِ اللُّغَات. انتهى. قُلْتُ : الفَتْحُ نَقَلَه الجَوْهَرِيّ ونَصُّه : ابنُ السِّكِّيت : عَضَضْتُ باللُّقْمَة فأَنَا أَعَضُّ. وقال أَبو عُبيْدٍ : عَضَضْتُ بالفَتْحِ لُغةٌ في الرِّبابِ.
قال ابنُ بَرّيّ : هذا تَصْحِيفٌ على ابنِ السِّكِّيتِ ، والَّذِي ذَكَرَهُ ابن السِّكِّيت في كِتاب الإِصلاح : غَصِصْتُ باللُّقْمَةِ ، فأَنا أَغَصُّ بها غَصَصاً ، قال أَبو عُبَيْدَة : وغَصَصْتُ لُغَةٌ في الرِّباب ، بالصَّاد المُهْمَلَة لا بالضَّاد المُعْجَمَة. قلتُ : وهكَذا وُجِدَ بخَطِّ أَبي زَكَريّا وابْن الجَوَاليقيّ في الإِصْلاح لابْن السِّكّيت ، في باب ما نُطِقَ به بفَعِلْتُ وفَعَلْتُ ، بالغين والصاد المُهْمَلَة على الصَّواب ، وصَرَّحُوا بأَنَّ مَا في الصّحاح تَصْحيفٌ ، وقد تَبِعَهُ المُصَنِّف هُنَا حَيْثُ وَزَنَهُ بمَنَع إِشَارَةً إِلى قَوْل أَبي عُبَيْدَةَ المَذْكُورَ ، من غَيْر تَنْبيهٍ عليه.
وذَكَرَهُ أَيْضاً في الصَّاد على الصّواب ، وقد وَقَعَ في هذَا الوَهَمِ أَيْضاً الصّاغَانيُّ في العُبَاب ، حَيْثُ نَقَلَ قَوْلَ أَبي عُبَيْدةَ السَّابقَ ، وكأَنَّ المُصَنِّفَ حَذَا حَذْوَهُ على عَادَته مع أَنَّه نَبَّهَ على تَوْهيمِ الجَوْهَريّ ، في كتَابه التَّكْملَة. فَقَالَ ما نَصُّه : وقَال الجَوْهَريُّ : عَضِضْتُ باللُّقْمَة ، والصَّوابُ غَصِصْتُ ، بالغَيْن المُعْجَمَةِ وبصَادَيْن مُهْمَلَتَيْن ، ولم يَذْكُرْ قَوْلَ أَبي عُبَيْدَةَ ، وكَأَن عنده الوَهَمَ في غَصصْت باللُقْمَة فَقَط ، والصَّواب ما نَقَلَهُ ابنْ بَرّيّ فيما تَقَدَّمَ من القَوْل ، فَتَأَمّلْ تَرْشُدْ ، فالصَّوابُ الَّذي لا مَحِيدَ عَنْهُ أَنَّهُ من باب سَمِع فَقَط. يُقَال : عَضِضْتُهُ أَعَضُّ وعَضِضْت عَلَيْه عَضّاً وعِضَاضاً وعَضِيضاً : مَسَكْتُهُ ، وفي بَعْض النُّسَخ ، أَمْسَكْتُهُ بأَسْنَانِي وشَدَدْتُهُ بهَا أَو بلِسَانِي ، وكَذلك عَضُّ الحَيَّةِ ، ولا يُقَال للعَقْرَبِ ، لِأَنَّ لَدْغَهَا إِنَّمَا هو بزُبَانَاها وشَوْلَتِهَا ، والأَمْرُ منه عَضَّ واعْضَضْ. قال الله تَعالَى : عَضُّوا (عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) (١) أَخْبَرَ أَنَّه لشِدَّة إِبْغاضهم المُؤْمنينَ يَأْكُلُون أَيْدِيَهُم غَيْظاً.
وفي حَديث العِرْبَاض : «وعَضُّوا عليها بالنَّوَاجِذ» هذا مَثَلٌ في شِدَّةِ الإِمساكِ (٢) بأَمْرِ الدِّينِ ، لِأَنَّ العَضَّ بالنَّوَاجِذ عَضٌّ بجَميع الفَمِ والأَسْنَانِ ، وهي أَواخرُ الأَسْنَان.
وعَضِضْتُ بصَاحِبِي عَضِيضاً وعَضّاً : لَزِمْتُهُ ولَزِقْتُ به.
وفي حَديثِ يَعْلَى : «يَنْطَلِقُ أَحَدُكُم إِلى أَخِيهِ فيَعَضُّهُ كَعَضِيضِ الفَحْلِ» أَصْلُ العَضِيضِ اللُّزُومُ. وقال ابنُ الأَثير : المُراد به هُنَا العَضُّ نَفْسُهُ ، لِأَنَّهُ بعَضِّه له يَلْزَمُهُ.
والعَضِيضُ ، كأَميرٍ : العَضُّ الشَّديدُ ، هكَذا في سَائر الأُصُول ، وهو غَلَطٌ والَّذي نَقَلَه الصّاغَانيُّ في كِتَابَيْه عن ابْن الأَعْرَابيّ : العَضْعَضُ ، مَثَالُ سَبْسَبٍ : العَضُّ الشَّدِيدُ ، هكذا بِفَتْحِ العَيْنِ في العَضِّ وهو غَلَطٌ أَيْضاً ، والصَّوَابُ كما في التَّهْذيبِ عن ابن الأَعْرَابيّ : العَضْعَضُ هو العِضُّ الشَّدِيدُ ، هكذا بكَسْر العَيْن. قال : ومنهم مَنْ قَيَّدَهُ بالرِّجَال ، والدَّليلُ على ذلكَ أَنَّه قالَ بَعْدُ : والضَّعْضَعُ : الضَّعيفُ ، وسَيَأْتي العِضُّ ، بالكَسْر ، بمَعْنَى الدَّاهِيَةِ ، فتَأَمَّلْ فيمَا وَهِمَ فيه المُصَنِّف والصَّاغَانيّ ، وقَد قَيَّدَه على الصَّواب صاحبُ اللِّسَان وابنُ حامدٍ الأُرْمَويّ وغَيْرُهما من أَئمَّة اللُّغَة ، ويَدُلُّ له أَيْضاً قَولُ ابن القَطَّاع : عَضَّ يَعَضُّ عَضيضاً : اشْتَدَّ وصَلُبَ. وقَوْلُ صَاحب الأَساسِ : والعَضِيض (٣) والعِضُّ : الشَّديدُ ، غَيْرَ أَنّ قوْلَه : والعَضِيضُ ، تَحْريفٌ من النُّسَّاخ ، والصَّواب العَضْعَضُ كما ذَكَرْنَا.
والعَضِيضُ : القَرِينُ يُقَالُ : هو عَضِيضُ فُلانٍ ، أَيْ قَرِينُهُ.
ومن المَجَاز : عَضُّ الزَّمَان والحَرْب : شِدَّتُهُمَا ، يُقَال : عَضَّهُ الزَّمَانُ ، وعَضَّتْه الحَرْبُ ، إِذَا اشْتَدَّا عَلَيْه ، وهي عَضُوضٌ. مُسْتَعَارٌ من عَضِّ النّابِ. قال المُخَبَّلُ السَّعْديّ :
لَعَمْرُ أَبِيكَ لا أَلْقَى ابنَ عَمٍّ |
|
عَلَى الحدثَانِ خَيْراً من بَغِيضِ |
غَدَاةَ جَنَى عَلَيَّ بَنِيَّ حَرْباً |
|
وكَيْفَ يَدَايَ بالحَرْبِ العَضُوضِ |
وأَنْشَدَ ابنُ بَرّيّ لعَبْد الله بن الحَجّاج :
وإِنّي ذُو غِنَى وكَرِيمُ قَوْمٍ |
|
وفي الأَكْفَاءِ ذُو وَجْهٍ عَرِيضِ |
__________________
(١) سورة آل عمران الآية ١١٩.
(٢) النهاية واللسان : الاستمساك.
(٣) لم ترد العبارة في الأَساس المطبوع.