هذَا ثَمانِيَةَ أَقْوَالٍ ، واقْتَصَرَ المُصَنِّف على قَوْلٍ منها مع شُهْرَتِهَا ، ففي كَلامِه قُصُورٌ ظَاهِرٌ.
قُلْت : بل ذَكَرَ المُصَنِّف قَوْلَيْنَ : أَحَدُهما هذَا ، ويَأْتِي الثَّانِي قَرِيباً ، وهُو قَوْلُه : ومِنَ الوَجْه ما يَبْدُو ، إِلى آخِرِه ، ثُمَّ أَنَّ شَيْخَنا لم يَذْكُرْ بَقِيِّةَ الأَقْوالِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابنُ هِشَام ، فأَوْقَعَ الخاطِرَ في شُغل ، ونَحْنُ نُورِدُهَا لَكَ بالتَّمَامِ لِتَكْمِيلِ الإفَادَةِ والنِّظَامِ ، فأَقُول : قِيلَ إنَّ العَوَارِضَ الثَّنَايَا سُمِّيَتْ لِأَنَّهَا في عُرْض الفَمِ. وقِيلَ : العَوَارِضُ : ما وَلِيَ الشِّدْقَيْنِ من الأَسْنَانِ. وقِيلَ : هِيَ أَرْبَعُ أَسْنَانٍ تَلِي الأنْيَابَ ، ثُمَّ الأَضْرَاسُ تَليِ العَوَارِضَ (١). قال الأَعْشَى :
غَرّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُها |
|
تَمْشِي الهُوَيْنَى كما يَمْشِي الوَجِي الوَجِلُ |
وقال اللِّحْيَانِيّ : العَوَارِضُ : مِنَ الأَضْرَاسِ. وقيل : العَوَارِضُ : عُرْضُ الفَمِ. ومنه قَوْلُهم : امرأَةٌ نَقِيَّةُ العَوَارِضِ ، أَي نَقِيَّةُ عُرْضِ الفَمِ : قال جَرِيرٌ :
أَتَذْكُرُ يَوْم تَصْقُلُ عَارِضَيْهَا |
|
بفَرْعِ بَشامَةٍ سُقِيَ البَشَامُ |
قال أَبو نَصْرٍ : يَعْنِي به الأَسْنَان وما بَعْدَ الثَّنَايَا ، والثَّنَايَا لَيْسَت من العَوَارِض.
وقال ابنُ السِّكِّيت : العَارِضُ : النّابُ والضِّرْسُ الَّذِي يَلِيه. وقال بَعْضُهُم : العارِضُ : ما بَيْنَ الثَّنِيَّةِ إِلى الضِّرْسِ ، واحْتَجَّ بقَوْلِ ابْنِ مُقْبِلٍ :
هَزِئَتْ مَيَّةُ أَنْ صاحَكْتُها |
|
فَرَأَتْ عارِضَ عَوْدٍ قد ثَرِمْ |
قال : والثَّرَمُ لا يَكُونُ إِلاّ (٢) في الثَّنَايَا وقيل العَوَارِضُ : ما بَيْنَ الثَّنَايَا والأَضْرَاس. وقيل : العَوَارِض : ثَمَانِيَةٌ ، في كُلِّ شِقِّ أَرْبَعَةٌ فَوْق ، وأَرْبَعَةٌ أَسْفَل ، فَهذِه نَحْوٌ من تِسْعَةِ أَقْوَالٍ ، فَتأَمَّلْ ودَعِ المَلَالَ. وأَنْشَدَ ابْنُ الأَعْرَابِيّ في العارِضِ بمَعْنَى الأَسْنَان :
وعَارِضٍ كجَانِبِ العِرَاقِ |
|
أَبَنْتِ بَرَّاقاً من البَرَّاقِ |
شَبَّهَ اسْتِواءَهَا باسْتِوَاءِ أَسْفَلِ القِرْبَةِ ، وهو العِرَاقُ ، للسَّيْرِ الَّذِي في أَسْفَلِ القِرْبَةِ. وقال يَصِفُ عَجُوزاً :
تَضْحَكُ عَنْ مِثْلِ عِرَاقِ الشَّنِّ
أَراد أَنَّه أَجْلَحُ ، أَيْ عن دَرَادِرَ اسْتَوَتْ كأَنَّهَا عِرَاقُ الشَّنِّ ، وهي القِربَةُ.
وكُلُّ مَا يَسْتَقْبِلُكَ مِنَ الشَّيءِ فهو عَارِضٌ.
والعَارِضَةُ : الخَشَبَةُ العُلْيَا الَّتِي يَدُورُ فِيهَا البَابُ ، كَمَا في العُبَابِ. وفي اللّسَانِ : عارِضَةُ البابِ : مِسَاكُ العِضَادتَيْن من فَوْق ، مُحَاذِيَةً للأَسْكُفَّةِ.
والعَارِضُ : وَاحِدَةُ عَوَارِضِ السَّقْفِ ، كما في العُبَابِ.
وفي اللِّسَان : العَارِضُ : سَقَائِفُ المَحْمَلِ. وعَوَارِضُ البَيْتِ : خَشَبُ سَقْفِه المُعَرَّضَة ، الوَاحِدَةُ عارِضَةٌ.
وفي حَدِيثِ عائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا «نَصَبْتُ على بابِ حُجْرَتِي عَبَاءَةً مَقْدَمَهُ مِنْ غَزَاةِ خَيْبَرَ أَو تَبُوكَ ، فَهَتَكَ العَرْضَ حَتَّى وَقَعَ بالأَرْضِ» حَكَى ابنُ الأَثِيرِ عن الهَرَوِيّ قال : المُحَدِّثُونَ يَرْوُونَهُ بالضَّاد ، وهُوَ بالصَّادِ والسّينِ وهو خَشَبٌ يُوضَعُ على البَيْتِ عَرْضاً إذا أَرادُوا تَسْقِيفَهُ ثمّ يُلْقَى عَلَيْه أَطْرَافُ الخَشَبِ القِصَارِ ، والحَدِيث جَاءَ في سُنن أَبِي دَاوُود «بالضَّادِ المُعْجَمَةِ» وشَرَحَه الخَطّابِيّ في المَعَالِم ، وفي غَرِيبِ الحَدِيثِ «بالصَّادِ المُهْمَلَةِ» قالَ : وقالَ الرّاوِي : العَرْض وهو غَلَطٌ. وقال الزَّمَخْشَرِيّ : هو العَرْصُ ، «بالصَّادِ المُهْمَلَة». قالَ : وقد رُوِيَ «بالضَّادِ المعْجَمَة» ، لِأَنَّه يُوضَعُ على البَيْتِ عَرْضاً ، وقد تَقَدَّم البَحْثُ فيه في «ع ر ص» ، فراجِعْه.
والعارِضُ : النّاحِيَةُ. يُقَال : إِنَّهُ لَشَدِيدُ العَارِضِ ، أَيْ شَدِيدُ النّاحِيَةِ ذُو جَلَدٍ ، وكَذلِكَ العَارِضَة.
وقال اللَّيْثُ : العارِضُ مِنَ الوَجْهِ ، وفِي اللِّسَان : مِن
__________________
(١) قال ابن هشام في شرحه للبيت فيما يتعلق بالعوارض ومعناها : اختلف في معناها على ثمانية أقوال : أحدها : أنها الأسنان كلها .. ، الثاني : أنها الضواحك وهي ما بعد الأنياب ... الثالث : أنها من الثنايا إلى أقصى الأسنان .. والرابع أنها ما بعد الثنايا إلى أقصى الأسنان .. والخامس : أنها ما بعد الأنياب إلى أقصى الأسنان ... السادس أنها الضواحك والأنياب .. والسابع : أنها الرباعيات والأنياب ... والثامن : أنها الضواحك والرباعيات والأنياب.
(٢) في اللسان : «والثرم لا يكون في الثنايا» تحريف وقد نبه مصححه إلى الصواب كما أثبتناه بإثبات «إلاّ».