قُلْتُ : ولِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ هذِهِ الأَقْوَالِ المَذْكُورَةِ دَلِيلٌ وتَوْجِيهٌ مَذْكُورٌ فِي مَحَلِّه ، وأَقْوَى الأَقْوَال ثَلاثةٌ : العَصْرُ ، والصُّبْحُ ، والجُمُعَةُ ، كما في البصائِر.
قال ابنُ سِيدَه في المُحْكَم : مَنْ قَالَ هِيَ غَيْرُ صَلاةِ الجُمُعَةِ فقَدْ أَخْطَأَ ، إِلاَّ أَنْ يَقُولَهُ بِرِوَايَةٍ مُسْنَدَةٍ إِلَى النَّبِيّ صلىاللهعليهوسلم ، انْتَهَى. وعَلَّلها بكَوْنِها أَفْضَلَ الصَّلَوَاتِ ، قِيلَ لا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُه صلىاللهعليهوسلم في يَوْمِ الأَحْزَابِ : «شَغَلُونا عَن الصَّلاةِ الوُسْطَى صَلاةِ العَصْرِ مَلَأ الله بُيُوتَهُمْ وقُبُورهُمْ نَاراً» لِأَنَّه لَيْسَ المُرادُ بِهَا في الحَدِيثِ المَذْكُورَةَ في التَّنْزِيلِ أَي أَنّ المَذْكُورَةَ في الحَدِيثِ لَيْس المُرَادُ بِهَا المَذْكُورةَ في التَّنْزِيل ، أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا غَيْرُهَا ، وهُوَ كَلامٌ غَيْرُ ظاهِرٍ ، ولا مُعَوَّلَ عَلَيْه ، فإِنّ الآيَاتِ تُفسِّرُها الأَحَادِيثُ ما أَمْكَن ، كالعَكْس ، ولا يَجُوز لأَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ في آيَةٍ وَقَعَ فِيهَا نَصٌّ من السَّلَفِ ، ولا في حَدِيثٍ وَافَقَ آيَةً ، وصَرَّح السَّلَفُ بِأَنَّهَا تُوافِقُه أَو وَرَدَتْ فِيهِ ، أَو نَحْو ذلِكَ ، كَمَا حَقَّقَهُ شَيْخُنَا. ثُمَّ إِنَّ الحَدِيثَ المَذْكُورَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ ، ويعضدُه حَدِيثٌ آخَرُ أَنَّهَا الصّلاةُ الَّتِي شُغِلَ عَنْهَا سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السّلامُ (حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) ، وأَوْرَدَ مُلاّ عَلِيٍّ في نَامُوسِه كَلاماً قد ذَكَرَ حاصِلَهُ ، واسْتَدَلَّ بِهذَا الحَدِيثِ ، وبِمَا في مُصْحَفِ حَفْصَةَ (١) ، وذَكَرَ شَيْخُنَا الإِجْمَاعَ مِنْ أَهْلِ الحَدِيهث على أَنَّهَا صَلاةُ العَصْرِ ، كما أَشَرْنَا إِلَيْه. فَتَأَمَّلْ ، والله أَعْلَمُ.
قُلْتُ : وقد أَفْرَدْتُ في هذِهِ المَسْأَلَةِ رِسَالَةً مُسْتَقِلَّةً ، جَلَبْتُ فِيهَا نُصُوصَ العُلَمَاءِ والأَئمّةِ كالقُرْطُبِيِّ ، وابْنِ عَطِيّةَ ، والسُّلَمِيِّ ، وأَبِي حَيّانَ ، والنَّسَفِيِّ ، والحَافِظِ الدّمْيَاطِيِّ ، والبِقَاعِيِّ ، وغَيْرِهم ، فراجِعْها.
ووَسَّطَهُ تَوْسِيطاً : قَطَعَهُ نِصْفَيْن ، يُقَالُ : قُتِلَ فُلانٌ مُوَسَّطاً. أَو وَسَّطَهُ : جَعَلَه فِي الوَسَطِ ، ومِنْهُ قِرَاءَةُ بَعْضِهِم :فَوَسَّطْنَ به جَمْعاً (٢) قال ابنُ بَرِّيّ : هذِه القِرَاءَة تُنْسَب إِلَى عَلِيٍّ ، كَرَّمَ الله وجهَه ، وإِلى ابنِ أَبِي لَيْلَى ، وإِبْرَاهِيمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ. قُلْتُ : وعَمْرِو بنِ مَيْمُونَ ، وزَيْدِ بنِ عَلِيٍّ. وأَبي حَيْوَةَ ، وأَبي البَرَهْسَمِ ، والباقُونَ بالتَّخْفِيفِ.
وتَوَسَّطَ بَيْنَهُمْ : عَمِلَ الوَساطَةَ.
وتَوَسَّطَ أَخَذَ الوَسَطَ ، وهو بَيْنَ الجَيِّدِ والرَّدِيءِ. قال ابْنُ هَرْمَةَ يَصِف سَخاءَهُ :
واقْذِفْ بِحَبْلِكَ حَيْثُ نالَ بِأَخْذِهِ |
|
مِنْ عُودِهَا واعْثَمْ ولا تَتَوَسَّطِ |
ومُوسَطُ البَيْتِ ، كمُكْرَمٍ : ما كانَ فِي وَسَطِهِ خَاصَّةً نَقَلَه ابنُ عَبَّادٍ.
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه :
الأَواسِطُ : جَمْع أَوْسَط ، ومِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
شَهْمٌ إِذا اجْتَمَعَ الكُماةُ وأُلْهِمَتْ |
|
أَفْوَاهُها بأَواسِطِ الأَوْتَارِ |
وقد يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمَعَ وَاسِطاً على وَوَاسِطَ ، فاجْتَمَعَتْ وَاوانِ ، فَهَمَزَ الأُولَى.
ووَسَطَ الشَّيْءَ : صَارَ بأَوْسَطِهِ. قال غَيْلانُ بنُ حُرَيْثٍ :
وقد وَسَطْتُ مَالِكاً وحَنْظَلا |
|
صُيَّابَها والعَدَدَ المُجَلْجِلا |
ووُسُوطُ الشَّمْس : تَوَسُّطُهَا السَّمَاءَ.
ووَاسِطَةُ القِلَادَةِ : الدُّرَّةُ الَّتِي في وَسَطِها ، وهي أَنْفَسُ خَرَزِهَا.
ودِينٌ وَسُوطٌ ، كصَبُورٍ : مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الغالِي والتّالِي.
ورَجُلٌ وَسِيطٌ ، أَي حَسِيبٌ في قَوْمِهِ ، ووَسُطَ في حَسَبِهِ وَسَاطَةً وسِطَةً ، ووَسَّطَ تَوْسِيطاً.
ووَسَطَهُ : حَلَّ وَسَطَهُ ، أَيْ أَكْرَمَهُ. قال :
يَسِطُ البُيُوتَ لِكَيْ تَكُونَ رَدِيَّةً |
|
مِنْ حَيْثُ تُوضَعُ جَفْنَةُ المُسْتَرْفِدِ |
ووَسَاطَةُ الدَّنانِيرِ : خِيَارُهَا.
وقال ابنُ دُرَيْدٍ : وَاسِطُ : مَوْضِعٌ بنَجْدٍ.
ووَاسِطَةُ ، «بالهَاءِ» : قَرْيَةٌ تَحْتَ المَوْصِلِ ، وأُخْرَى في حَضْرَمَوْت ، وأُخْرَى من قُرَى قَزْوِينَ. ومنها مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ بنِ أَبِي الرَّبِيعِ الوَاسِطِيُّ ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في تارِيخِ قَزْوِينَ.
__________________
(١) الذي في مصحف حفصة ، كما نقله القرطبي : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ) الْوُسْطى ـ وهي العصر ـ (وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ).
(٢) سورة العاديات الآية ٥.