في الفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَلاماً شَامِلاً لِما ذَكَرُوهُ وهو : السَّاكِنُ مُتَحَرِّكٌ ، والمُتَحَرِّكُ ساكِنٌ ، وما فَصَّلْناه مُدْرَجٌ تَحْتَ هذا الكامِنِ. وقال الصَّفَدِيُّ في تارِيخه : أَنْشَدَنِي الشَّيْخُ جَمَالُ الدّين يوسُفُ ابنُ محمد العُقَيْلِيِّ السُّرَّمَرِّيُّ لِنَفْسِهِ :
فَرْقُ مَا بَيْنَهُمْ وَسَطَ الشّيْءِ (١) |
|
وَوَسْطَ تَحْرِيكاً أَوْ تَسْكِيناً |
مَوْضِعٌ صَالِحٌ لِبَيْنَ فَسَكِّنْ |
|
ولِفِي حَرِّكَنْ تَرَاهُ مُبِيناً |
كجَلَسْتُ وَسْطَ الجَمَاعَةِ إِذْ هُمْ |
|
وَسَطَ الدّارَ كُلُّهُم جالِسينَا |
والله أَعْلَم وبِهِ نَسْتَعِينُ.
ويُقَالُ : صارَ الماءُ وَسِيطَةً : إِذَا غَلَبَ عَلَى الطِّينِ ، كَذَا في الأُصُولِ ، والَّذِي حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ عَنْ أَبِي ظَبْيَةَ ، أَي غَلَبَ الطِّينُ على الماءِ.
والوُسْطَى من الأَصَابعِ : م ، أَيْ مَعْرُوفَةٌ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
والصَّلاةُ الوُسْطَى المَذْكُورَة في التَّنْزِيل العَزِيز وهو قَولُه تَعالَى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ) الْوُسْطى (٢) لأَنَّها وَسَطٌ بَيْنَ صَلَاتيِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ. ولِهذَا المَعْنَى وَقَعَ الاخْتِلافُ في تَعْيِينِهَا ،فَقِيلَ : إِنّهَا الصُّبْحُ ، وهُوَ قَوْلُ علِيِّ بنِ أَبِي طالِبٍ ، في رِوَايَةٍ عنه ، وابْنِ عَبْاسٍ «أَخْرَجَهُ في المُوَطَّإِ بَلاغاً» (٣) وأَخْرَجَهُ التِّرْمِذيُّ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ وابْنِ عُمَرَ تَعْلِيقاً (٤). ورُوِيَ عن جابِرٍ وابن مُوسَى وجَمَاعَةٍ من التَّابِعِينَ. وإِلَيْه مَيْلُ الإِمامُ مالِك ، وصَحَّحَه جَماعةٌ من أَصْحابِهِ ، وإِلَيْه مَيْلُ الشافِعيِّ فِيما ذَكَرَ عنه القُشَيْرِيُّ ، أَو الظُّهْرُ ، وهوَ قَوْلُ زَيْدِ بنِ ثابِتٍ ، وأَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، وعَبْدِ الله بنِ عُمَرَ ، وعائِشَةَ ، رَضِيَ الله عَنْهُمْ ،أَو العَصْرُ ، وهُوَ قَوْلُ عليِّ بن أَبِي طالِبٍ في رِوَايَةٍ ، وابْنِ عَبّاسٍ ، وابنِ عُمَرَ ، في رِوَايَةٍ عَنْهُمَا وأَبِي هُرَيْرَةَ ، وأَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، وأَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ وعائِشَةَ ، وحَفْصَةَ ، وأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ الله عَنْهُم ، وجَمَاعَةٍ من التّابِعِينَ مِنْهُم الحَسَنُ البَصْرِيُّ ، وهو اخْتِيَارُ أَبِي حَنِيفَةَ وأَصْحَابِهِ ، وقَالَهُ الشافِعِيُّ وأَكْثَرُ أَهْلِ الأَثَرِ ، وهُوَ رِوايَةٌ عَنْ مالِكٍ وصَحَّحَه عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيبٍ ، واخْتَارَهُ ابنُ العَرَبِيِّ في قَبَسِهِ ، وابنُ عَطِيَّةَ في تَفْسِيرِهِ ، وصَحَّحَهُ الصّاغَانِيُّ في العُبَابِ ، أَو المَغْرِبُ ، قالَه قَبِيصَةُ بنُ ذُؤَيْب ومَكْحُولٌ ، أَو العِشَاءُ حَكاهُ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبدِ البَرِّ عن جَماعَةٍ ، أَو الوِتْر ، نَقَلَه الحافِظُ الدِّمْيَاطِيُّ ، واختاره السَّخاوِيُّ المقرىءُ ، أَو الفِطْرُ ، نَقَلَهُ الحافِظُ الدِّمْياطِيُّ ، أَو الأضْحى ، نقله الحافظ الدمياطي ، أَو الضُّحَى حَكاه بَعْضُهُم وتَرَدَّد فِيهِ ، أَو الجَمَاعَةَ نَقَلَهُ الحافِظُ الدّمْيَاطِيُّ ، أَو جَمِيعُ الصَّلَواتِ المَفْرُوضاتِ وهُوَ قَولُ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ ، نَقَلَهُ القُرْطُبِيُّ ، أَو الصُّبْحُ والعَصْرُ مَعاً ، قَالَهُ أَبو بَكْرٍ الأَبْهَرِيُّ (٥).
أَوْ صَلاةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَة ، وهُوَ قَوْلُ نافِعٍ والرَّبِيعِ بن خُثَيْمٍ (٦) ، أَو العِشَاءُ والصُّبْحُ مَعاً ، رُوِيَ ذلِكَ عَنْ عُمَرَ ، وعُثْمانَ ، أَو صَلَاةُ الخَوْفِ ، نَقَلَهُ الحَافِظُ الدّمْيَاطِيُّ ، أَو الجُمْعَةُ في يَوْمِها ، وفي سائِرِ الأَيّامِ الظُّهْرُ ، رُوِيَ ذلِكَ عَنْ عَلِيٍّ ، نَقَلَهُ ابنُ حَبِيب ، أَو المُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ الطُّولِ والقِصَرِ ، وهذا القَوْلُ قَدْ رَدَّهُ أَبُو حَيَّانَ في البَحْرِ ، أَوْ كُلُّ مِنَ الخَمْسِ لِأَنَّ قَبْلَهَا صَلاتَيْنِ وبَعْدَهَا صَلاتَيْن.
قال شَيْخُنا : وحَاصِلُ ما عُدَّ مِنَ الأَقْوَال تِسْعَةَ عَشَر قَوْلاً ، والمَسْأَلَةُ خَصَّها أَقْوَامٌ من المُحَدِّثِينَ والفُقَهاءِ وغَيْرِهِمْ بالتَّصْنِيفِ ، واتَّسَعَتْ فيها الأَقْوَالُ وزادَتْ على أَرْبَعِينَ قَوْلاً ، فما هذَا الَّذِي ذَكَرَهُ وَافِياً ولا بالنِّصْفِ مِنْهَا ، مع أَنَّهُمْ عَزَوا الأَقْوَال لِأَرْبابِهَا ، واعْتَنَوْا بِفَتْحِ بابِها. وصَحَّحَ أَرْبَابُ التَّحْقِيقِ أَنَّهَا غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ ، كلَيْلَةِ القَدْرِ ، والاسْمِ الأَعْظَم ، وساعَةِ الجُمُعَةِ ونَحْوِها ، مِمّا قُصِدَ بإِبهامِها الحَثُّ والحَضُّ والاعْتِنَاءُ بِتَحْصِيلها ، لِئَلاّ يُتْرَكَ شَيْءٌ مِنْ أَنْظَارِهَا. وأَنْشَدَ شَيْخُنَا الإِمامُ أَبو عَبْدِ الله مُحمَّدُ بنُ المسناويِّ رَضِيَ الله عَنْهُ غَيْرَ مَرَّةٍ :
وأُخْفِيَتِ الوُسْطَى كساعَةِ جُمْعَةٍ |
|
كَذَا أَعْظَمُ الأَسْمَاءِ مَعْ لَيْلَةِ القَدْرِ |
ولَمْ يَلْتَفِتِ العارفُونَ المُتَوَجِّهُونَ إِلَى الله تَعَالَى إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذلِكَ ، وأَخَذُوا في الجِدِّ والاجْتِهادِ ، نَفَعَنا الله بِهِمْ.
__________________
(١) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله :
فرق ما بينهم وسط الشيء
هكذا في النسخ ، وهذا الشطر غير موزون».
(٢) سورة البقرة الآية ٢٣٨.
(٣) أي قال مالك في الموطأ أنه بلغه عنهما.
(٤) التعليق يعني رواية الحديث من غير سند.
(٥) احتج بقوله ص : «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» الحديث ، رواه أبو هريرة. نقله القرطبي.
(٦) في تفسير القرطبي : خيثم.