الصّحاح. وأَهْلُ نَجْدٍ يَقُولُونَ في الأَمْر منْهُ : غُضَّ طَرْفَكَ.
وأَهْلُ الحِجَاز يَقُولُونَ : اغْضُضْ. وفي التَّنْزِيلِ : (وَ) اغْضُضْ (مِنْ صَوْتِكَ) (١) أَيْ اخْفِضِ الصَّوْتَ. وقَال جَريرٌ :
فغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ من نُمَيْرٍ |
|
فلا كَعْباً بَلَغْتَ ولا كِلَابَاً |
مَعْنَاه : غُضَّ الطَّرْفَ ذُلًّا ومَهَانَةً.
ويُقَال : غَضَّ طرفَهُ : احْتَمَلَ المَكْرُوهِ. نَقَلَهُ الجَوْهَريّ ، وقال : أَنْشَدَنَا أَبُو الغَوْثِ :
ومَا كانَ غَضُّ الطَّرْفِ مِنّا سَجِيَّةً |
|
ولكِنَّنَا في مَذْحِجٍ غُرُبَانِ |
قُلْت : البَيْتُ لِطَهْمَانَ بْنِ عَمْرِو ابن سَلَمَةَ.
وغَضَّ مِنْه يَغُضُّ ، بالضَّمِّ ، غَضّاً : نَقَصَ ، وقَصَّرَ به ، ووَضَعَ مِنْ قَدْرِهِ ، وعِبَارَةُ الصّحاح : وَضَعَ ونَقَصَ من قَدْرِه.
وقَوْلُه تَعَالَى : (وَ) اغْضُضْ (مِنْ صَوْتِكَ) أَي انقُصْ مِن جَهَارَتِهِ. وقَوْلُه تَعَالَى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ) يَغُضُّوا (مِنْ أَبْصارِهِمْ) (٢) أَي يَحْبِسُوا منْ نَظَرِهِمْ. قال الصّاغانِيّ : وذَهَبَ بَعْضُ النَّحْوِيّينَ إِلى أَنْ «مِنْ» زائدَةٌ ، وأَنَّ المَعْنَى يَغُضُّوا أَبْصَارَهُمْ ، فخَالَف ظَاهِرَ القْرآنِ ، وادّعَى فيه الصِّلَةَ ، وتَكَلَّفَ ما هُوَ غَنِيٌّ عنه. ومَعْنَى الكَلامِ ظاهِرٌ ، أَيْ يَنْقُصُوا من نَظَرِهم عَمّا حُرِّمَ عليهم ، فقد أَطْلَقَ الله لَهُمْ ما سِوَى ذلِكَ.
ورَوَى ابنُ الفَرَجِ عن بَعْضِهم : غَضَّ الغُصْنَ وغَضَفَه ، إِذا كَسَرَهُ فَلَمْ يُنْعِمْ كَسْرَهُ ، كما في اللّسان.
والغَضِيضُ : الطَّرِيُّ من كُلِّ شَيْءٍ. والغَضِيضُ : الطَّلْعُ النَّاعِمُ حِينَ يَبْدُو ، وقِيلَ هو الثَّمَرُ أَوَّلَ ما يَطْلُعُ ، الغَضِّ ، فيهما. يُقَالُ : شَيْءٌ غَضٌّ وغَضِيضٌ ، أَي طَرِيٌ. ومنه الحَديثُ : «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ القُرْآنَ غَضّاً كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ قِرَاءَةَ ابنِ أُمِّ عَبْدٍ». وقَال الأَصْمَعِيٌ : إِذَا بَدَا (٣) الطَّلْعُ فهو الغَضِيضُ ، فإِذا اخْضَرَّ قِيلَ : خَضَبَ النَّخْلُ ، ثُمَّ هو البَلَحُ.
وقَال ابنُ الأَعْرَابِيّ : يُقَال للطَّلْعِ الغِيضُ والغَضِيضُ والإِغْرِيضُ.
والغَضِيضُ من الطَّرْفِ : الفَاتِرُ ، كالمَغْضُوضِ ، فَعِيلٌ بمَعْنَى مَفْعُولٍ ، ومنه قَصِيدُ كَعْبٍ :
وما سُعَادُ غَدَاةَ البَيْنِ إِذْ رَحَلْوا |
|
إِلاَّ أَغَنُّ غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ |
وفي الصّحاح : ظَبْيٌ غَضِيضُ الطَّرْف ، أَي فَاتِرُه ، ويُقَال : إِنَّك لَغَضِيضُ الطَّرْفِ نَقِيُّ الظَّرْفِ ، يُرَادُ بالظَّرْف وِعَاؤُهُ. يَقُول : لَسْتَ بخَائنٍ (٤). وفي حَديث أُمِّ سَلَمةَ : «حُمَادَيَاتُ النِّسَاءِ غَضُّ الأَطْرَافِ» في قَوْل القُتَيْبِيّ ، وذلكَ أَنَّمَا يَكُونُ منَ الحَيَاءِ والخَفَرِ ، وقد سَبَقَ ذِكْرُهُ في «خ ف ر».
والغَضِيضُ : النَّاقِصُ الذَّليلُ ، بَيِّنُ الغَضَاضَةِ ، ج أَغِضَّةٌ وأَغِضّاءُ ، وهو من غَضَّهُ يَغُضُّهُ غَضّاً ، إِذا نَقَصَهُ ، فهو غَاضٌّ ، وذاكَ غَضِيضٌ.
ولا أَغُضُّكَ دِرْهَماً ، أَي لا أَنْقُصُكَ وإِذا ثَبَتَ النَّقْصُ لَحِقَهُ الذُّلُّ ، فهذا قَوْلُ المُصَنِّف : النّاقِص الذَّلِيل.
والغَضُّ : الحَديثُ النِّتَاجِ من أَوْلادِ البَقَر ، ج الغِضَاضُ ، كحِبَالٍ. قال أَبو حَيَّةَ النُّميْرِيّ :
خَبَأْنَ بها الغُنَّ الغِضَاضَ فأَصْبَحَتْ |
|
لَهُنَّ مَرَاداً والسَّخَالُ مَخَابِئَا |
وغَضَضْتَ ، كمَنَعْتَ وسَمِعْتَ ، هكَذا نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ ، وقولُهُ : كمَنَعْتَ ، فيه نَظَرٌ لإِنْتفَاءِ الشَّرْطِ فيه ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ من بابِ تَدَاخُلِ اللُّغَاتِ ، وقد تَقَدَّمَ الكَلَامُ عَلَيْه مِرَاراً ، غَضَاضَةً بالفَتْحِ ، وغُضُوضَةً بالضَّمِّ ، نَقَلَهُمَا الجَوْهَرِيُّ ، فأَنْتَ غَضٌّ بَيِّنُ الغَضَاضَةِ والغُضُوضَةِ ، أَي نَاضِرٌ. قال ابنُ بَرّيّ : أَنْكَرَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ غَضَاضَةً ، وقال : غَضٌّ بَيِّنُ الغُضَوضَةِ ، لا غَيْرُ. قالَ : وإِنَّمَا يُقَالُ ذلك فيما يُغْتَضُّ منه ويُؤْنَفُ ، والفِعْلُ منهُ غَضَّ واغَتَضَّ ، أَي وَضَعَ ونَقَصَ. قال ابنُ بَرّيّ : وقد قَالُوا بَضٌّ بَيِّنُ البَضَاضَةِ والبُضُوضَةِ ، فهذا يُؤيِّدُ (٥) قَوْلَ الجَوْهَريّ في الغَضَاضَةِ.
وفي التَّهْذيب : واختُلِفَ في فَعَلْتَ مِنْ غَضَّ ، فقَال (٦)
__________________
(١) سورة لقمان الآية ١٩.
(٢) سورة النور الآية ٣٠.
(٣) التهذيب : «بدأ».
(٤) انظر مجمع الأمثال للميداني ١ / ٤٢.
(٥) اللسان : يقوّي.
(٦) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : فقال بعضهم : غضضت تغض ،