أَن يكون «يَصْدُر» هنا غير مُتعدٍّ لفظاً ولا معنًى ؛ لأَنَّهُم قالُوا : صَدَرْتُ عن الماءِ ، فلم يُعَدُّوه ، وفي الحدِيث : «يَهْلِكُونَ مَهْلَكاً واحِداً ويَصْدُرُونَ مَصادِرَ شَتَّى» قال ابنُ الأَثير : الصَّدَرُ ، بالتَّحْرِيك : رجُوعُ المُسَافِرِ من مَقْصِدِه والشَّارِبَةُ من الوِرْدِ : يَعْنِي يُخْسَف بهم جميعِهِم (١) ثمّ يَصْدُرُونَ بعدَ الهَلَكَةِ مَصَادِرَ متفَرِّقَةً على قَدْرِ أَعمالِهِم.
وقال اللَّيْثُ : الصَّدَرُ : الانْصِرَافُ عن الوِرْدِ ، وعن كُلِّ أَمْرٍ ، يقال : صَدَرُوا ، وأَصْدَرْنَاهُمْ.
وقال أَبو عُبَيْد : صَدَرْتُ عن البِلادِ ، وعن الماءِ صَدَراً ، وهو الاسمُ ، فإِن أَردْتَ المصدَرَ جَزَمْتَ الدالَ ، وأَنشدَ لابن مُقْبِل :
ولَيْلَة قد جَعَلْتُ الصُّبحَ مَوْعِدَها |
صَدْرَ المَطِيَّةِ حتّى تَعْرِفَ السَّدَفَا |
قال ابنُ سِيدَه : وهذا عِيٌّ منه واخْتِلاطٌ.
قلْت : وقد وَضَعَ منه بهذِه المَقَالَة في خطبةِ كتابه المُحْكَمِ ، فقال : وهل أَوْحَشُ من هذه العِبَارَة؟ أَو أَفْحَشُ من هذِه الإِشَارَة.
وصَدْرُ الإِنسانِ مُذَكَّرٌ ، فأَمَّا قولُ الأَعْشَى :
وتَشْرَق بالقَوْلِ الذي قَدْ أَذَعْتَه |
كما شَرِقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ من الدَّمِ |
فقال ابنُ سِيدَه : إِنّمَا أَنَثَّهُ على المَعْنَى ؛ لأَنّ صَدْرَ القَنَاةِ من القَنَاةِ ، وهو كقَوْلهم : ذَهَبَتْ بعضُ أَصابِعِه ؛ لأَنّهم يُؤَنِّثُونَ الاسمَ المضافَ إِلى المُؤَنَّثِ.
والصُّدْرَةُ ، بالضَّمّ : الصَّدْرُ ، أَو صُدْرَةُ الإِنْسَانِ : ما أَشْرَفَ من أَعْلَاه أَي أَعْلَى صَدْرِه ، وعليه اقتصرَ الأَزْهَرِيّ ، قال : ومنه الصُّدْرَةُ التي تُلْبَسُ ، وهو ثَوْبٌ ، م ، أَي معروف ، ومن هذا قولُ الطّائِيَّة ، وكانت تحتَ امرئِ القيسِ ، ففَفَرِكَتْه وقالت : إِنّي ما علِمْتُكَ إِلّا ثَقِيلَ الصُّدْرَةِ ، سَرِيعَ الهِرَاقة (٢) ، بطيءَ الإِفاقَةِ. وصَدَرَهُ يَصْدُرُه صَدْراً : أَصابَ صَدْرَه ، ويقال : ضَرَبْتُه فصَدَرْتُه ، أَي أَصَبْتُ صَدْرَه.
وصُدِرَ ، كعُنِيَ. شَكَاهُ ، فهو مَصْدَورٌ : يَشْكُو صَدْرَه ، وقال عُبَيْدُ الله بنُ عبدِ الله بنِ عُتْبَةَ :
لا بُدّ للمَصْدُورِ منْ أَن يَسْعُلَا
يُرِيد أَنّ من أُصِيبَ صَدْرُه لا بدّ له أَن يَسْعُلَ ، وذلك حينَ قيل له : حَتّى متّى تَقُولُ هذا الشِّعْرَ؟ يعني أَنه يَحْدُث للإِنسان حالٌ يَتمَثَّلُ فيه بالشِّعر ، وتَطِيبُ به نَفْسُه ، ولا يكاد يَمْتَنِعُ منه. وفي حديث الزُّهْرِيّ ، قيل له : «إِنّ عُبَيْدَ اللهِ يقولُ الشِّعْرَ؟ قال : ويَسْتَطيعُ المَصْدُورُ أَن لا يَنْفُثَ؟» أَي لا يَبْزُق شَبَّه الشِّعرَ بالنَّفْثِ ؛ لأَنّهما يَخْرُجَان من الفَمِ ، وفي حديث عَطَاءٍ قيل له : «رَجُلٌ مَصْدُورٌ يَنْهَزُ قَيْحاً أَحدَثٌ هُوَ؟
قال : لا». يَعْنِي يَبزُقُ قَيْحاً.
والأَصْدَرُ : العَظِيمُهُ ، أَي الذي أَشْرَفَتْ صُدْرَتُه.
والمُصَدَّرُ ، كمُعَظَّمٍ : القَوِيُّهُ الشَّدِيدُهُ ، ومنهحديثُ عبدِ المَلِكِ «أُتِيَ بأَسِير مُصَدَّرٍ» ، وهو العَظِيمُ الصَّدْرِ.
والمُصَدَّرُ من الخَيْلِ : مَنْ بَلَغَ العَرَقُ صَدْرَه ، وبه فسّر ابنُ الأَعرابيّ قولَ طُفَيْل الغَنَوِيّ يصف فرساً :
كأَنَّه بَعْدَ ما صَدَّرْنَ مِنْ عَرَقٍ |
سِيدٌ تَمَطَّرَ جُنْحَ اللَّيْلِ مَبْلُولُ |
ورَوَاه «بعدَ ما صُدِّرْنَ» على ما لم يسَمَّ فاعِلُه ، أَي أَصابَ العَرَقُ صُدُورَهُنّ بعد ما عَرِقَ.
وقال أَبو سَعِيدٍ : أَي هَرَقْنَ صَدْراً من العَرَقِ ، ولم يَسْتَفْزِغْنَه. وعليه اقتصر الصّاغانيّ.
والأَجوَدُ في مَعْنَاه : أَي بَعْدَ ما سَبَقْنَ بصُدُورِهِنّ ، والعَرَقُ : الصَّفُّ من الخَيْلِ كذا في اللسان.
والمُصَدَّرُ : الأَبْيَضُ لَبَّةِ الصَّدْرِ من الغَنَمِ والخَيْلِ. أَو هو السَّوْدَاءُ الصَّدْرِ من النِّعاجِ وسائِرُهَا أَبْيَضُ. ونَعْجَةٌ مُصَدَّرَةٌ ، قاله أَبو زيد.
وتَصَدَّرَ الفَرَسُ ، وصَدَّرَ ـ كلاهما ـ : تَقَدَّمَ الخَيْلَ بِصَدْرِه.
وقال ابنُ الأَعرابيّ : المُصَدَّرُ : السابِقُ من الخَيْلِ ، ولم
__________________
(١) بعدها في النهاية واللسان : فيهلكون بأسرهم خيارهم وشرارهم ، ثم يصدرون ..
(٢) عن التهذيب ، وبالأصل «الهداقة» بالدال ، تحريف.